بدأت في تركيا محاكمة أكثر من مائة عسكري, بينهم قائد سابق للجيش بتهمة المشاركة في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان عام 1997. وشرع 103 متهمين في الإدلاء بإفاداتهم أمام محكمة في العاصمة التركية أنقرة في 2 سبتمبر, وغاب عن أولى جلسات المحاكمة رئيس الأركان العامة زمن الانقلاب إسماعيل حقي قرضاي, الذي شغل هذا المنصب بين عامي 1994 و1998. وتشمل لائحة المتهمين أيضا القائد الأسبق للقوات البرية الجنرال أردال جيلو أوغلو, ويُعتقد أن أوغلو وقرضاي مسئولان عن استعراض للدبابات خارج أنقرة, تلته مطالب تعجيزية بينها حظر كثير من الأنشطة الإسلامية, ثم إنذار لإجبار حكومة أربكان الائتلافية المنتخبة بقيادة حزب الرفاه على ترك السلطة دون إراقة للدماء. وكانت حكومة أربكان, الذي توفي عام 2011 عن 85 عاما, أول حكومة يشكلها حزب إسلامي في تركيا, وسبق هذا الانقلاب ثلاثة انقلابات شهدت تدخلا مباشرا من الجيش أعوام 1960 و1971 و1980. وحين أُطيح بأربكان, كان رئيس الحكومة الحالي رجب طيب أردوغان قياديا في حزب الرفاه قبل أن يؤسس والرئيس الحالي عبد الله جول حزب العدالة والتنمية الحاكم الآن. يشار إلى أن التحقيق في انقلاب عام 1997 بدأ العام الماضي, وأودع 37 من المتهمين السجون, وتطالب عريضة الاتهام التي تقع في 1300 صفحة بالسجن المؤبد للمتهمين ومن بينهم الجنرال المتقاعد إسماعيل قرضاي الذي اعتقل في يناير الماضي ثم أطلق بسبب اعتلال صحته. وفي تصريحات نشرتها صحيفة "ملّييت" التركية, نفى قرضاي "81 عاما" أن يكون الجيش مارس اي ضغط على حكومة أربكان كي تترك السلطة. وكان القضاء التركي حكم الشهر الماضي على قائد الأركان الأسبق إلكر باشبوغ وجنرالات آخرين بالسجن المؤبد بعد إدانته بالتآمر لإسقاط حكومة أردوغان. كما حكم في سبتمبر من العام الماضي على 300 عسكري من المباشرين والمتقاعدين, وبينهم ثلاثة جنرالات, بالسجن لمدد تصل إلى عشرين عاما بتهمة التخطيط لانقلاب في 2003. وعمل أردوغان منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002 على تقليص نفوذ الجيش بهدف إخضاعه للحكم المدني. وفي 13 يوليو الماضي, أقرّ البرلمان التركي طلبا تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم لتعديل المادة 35 من قانون عمل الجيش, الذي صدر بعد انقلاب عام 1960، في خطوة تسعى لحرمان العسكر في تركيا من تبرير الانقلابات العسكرية بعدم قدرة السلطات المدنية على الدفاع عن المبادئ الدستورية. وتحد الصيغة الجديدة, التي جرى التصويت عليها من مجال تدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية، محددة دورها ب"الدفاع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات والمخاطر القادمة من الخارج", والردع الفاعل والمشاركة في العمليات الخارجية التي يقرها البرلمان، بدلا من "صيانة الجمهورية التركية وحمايتها". وتم إقرار التعديل بدعم أحزاب المعارضة باستثناء حزب العمل القومي الذي اعتبر أن هذا التعديل سيعقد مهمة الجيش في مكافحة التمرد الكردي المستعر في جنوبي البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتسبب بمقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين الأتراك. ويندرج تعديل المادة 35 في إطار رغبة النظام السياسي التركي في الحد من نفوذ الجيش في الحياة السياسية. وقد أجرى الحزب الحاكم منذ توليه الحكم عام 2002 عدة إصلاحات في هذا الصدد، خاصة وأن فصل الجيش عن السياسة يعتبر من أهم أسس الديمقراطية الغربية، وتحقيق ذلك من شأنه تسريع مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وابتداء من عام 2007 , ألقي القبض على المئات من ضباط الجيش ومن بينهم عدد من المتقاعدين، وحوكموا بتهم التآمر على النظام التركي. جدير بالذكر أن الجيش التركي كان قد نصب نفسه حاميا للمبادئ العلمانية، وقام بعدة انقلابات عسكرية عام 1960 و1971 و1980، واجبر عام 1997 حكومة نجم الدين أربكان الإسلامية التوجه على الاستقالة.