المعضلة التي حيرت العالم هل ما حدث في مصر يوم 30 يونيو انقلاب عسكري باعتبار أن القرار النهائي كان لقادة الجيش أم ثورة شعبية باعتبار الملايين التي خرجت ضد حكم الأخوان. و لذا نراجع موقف المؤسسة العسكرية من أحداث 25 يناير و 30 يونيو و نقارن بين الموقفين. في يناير حين هزم الشعب المصري شرطة مبارك و أجبرها علي الاختفاء استدعي مبارك الجيش يوم 28 يناير، أصر الجيش علي حماية المؤسسات و المنشآت فقط و عدم التعرض للثوار بأي أذي، و نزل المشير طنطاوي إلي الميادين و صافح الثوار و التقطت صور لضابط الجيش يلتقط و يقبل الطفل الرضيع و صور المسلمين يؤدون الصلوات علي ظهر الدبابة الحربية. ترك الجيش المهمة لمبارك لتسوية المشكلة سياسيا فقام بتغيير الحكومة و تعيين حكومة شفيق، ثم خطابه العاطفي في أول فبراير ثم نزول مؤيديه إلي ميدان مصطفي محمود و موقعة الجمل ضد ثوار التحرير، فلما استمرت الاحتجاجات و اقتربت من قصر العروبة، أصدر المشير أوامره للحرس الجمهوري بعدم التعرض للمتظاهرين بالرصاص الحي إن هم قاموا باقتحام القصر الجمهوري. و في صبيحة يوم الجمعه 11 فبراير ذهب نائب الرئيس عمر سليمان ورئيس الوزراء أحمد شفيق لمقر قيادة الجيش و اجتمعا مع المشير طنطاوي و الفريق عنان و اتفقوا علي وجوب تنحي مبارك و هاتفه عمر سليمان لكي يبتعد هو و أسرته عن القصر المحاصر بالثوار علي أن يتلو هو بنفسه بيان التنحي مساء نفس اليوم.
نأتي إلي موقف الجيش من مرسي، في 12 أغسطس 2012 قام مرسي بعزل طنطاوي و عنان و ترقية عبد الفتاح السيسي من رتبة اللواء إلي رتبة الفريق أول و تعيينه وزيرا للدفاع و قائدا عاما للفوات المسلحة. أبدي السيسي وطنية بالغة في الحفاظ علي قناة السويس للمصريين بعد أن جري الحديث عن تأجيرها و كذا أبدي شدة تجاه التهريب عبر الأنفاق بين غزة و سيناء و كذا تجاه أي ميليشيات تابعة لأي حزب أو تنظيم و توعد بتدميرها. لما حدثت الفتنة بالإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في نوفمبر 2012 و تكونت ضده جبهة الإنقاذ، حاول الجيش لم الشمل و دعا السيسي جميع الأطراف لحوار برعاية الجيش و لكن مرسي رفض !!!، ثم توالت الاحتجاجات الشعبية و حاول كثير من المصريين استدعاء الجيش للمشهد السياسي، بل وصل الأمر ببعض المصريين تحرير توكيلات في الشهر العقاري لتفويض الجيش في حكم البلاد، و لكن الجيش و قائده السيسي يتعامل بضبط النفس و مراعاة الشرعية. بعد عودته من زيارة لتركيا دعا السيسي بعض القوي المدنية المطالبة بتدخل الجيش و كان صريحا معهم أن الجيش نار فلا تلعبوا به و لا تلعبوا معه، و أن الجيش لا يمكن أن يكون بديلا عن الوقوف لساعات في طوابير الانتخابات. كان خطاب السيسي واضحا أن الجيش يحمي الأمن القومي و لا يتدخل في السياسة و لا ينقلب علي الشرعية.
عندما أعلنت حركة تمرد و القوي الثورية عن تظاهرات 30 يونيو للدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، دعا السيسي إلي مبادرة بتغيير الحكومة و عزل النائب العام و أعطي جميع القوي السياسية مهلة أسبوع تنتهي 30 يونيو لحل المشكلات القائمة، و لكن مرسي رفض المبادرة و تعامل مع إنذار الجيش بتعال شديد و أصر علي الحوار غير المشروط!!!!، ثم كان نزول الملايين يوم 30 يونيو بعدد أكبر بكثير ممن خرجوا ضد مبارك، و هنا أعطي الجيش مهلة نهائية لمرسي مدتها 48 ساعة لاسترضاء الثائرين، و لكن مرسي خرج في خطابه الشهير يوم الثلاثاء 2 يوليو يعلن التمسك بالشرعية الدستورية و أنه ممكن أن يدفع حياته ثمنا في سبيلها، و أخذ يهدد من يحاول الانقلاب علي الشرعية بالعنف و لم يقدم جديدا رافضا الانتخابات الرئاسية المبكرة أو حتي الاستفتاء الشعبي علي استكمال مدته الدستورية، فلما يأس الجيش من مرسي الذي لم يقدم أي حل، اتفق قائد الجيش مع القوي الوطنية و الأزهر و الكنيسة و قام بعزل الرئيس و إعلان خارطة الطريق. السؤال الآن: هل كان السيسي يجرؤ علي رفع عينيه في وجه مرسي ما لم يخرج الملايين ضده في 30 يونيو؟؟؟. المتفحص لموقف الجيش يري التشابه الكبير بين موقفه من مبارك و موقفه من مرسي و أن الجيش انحاز في الحالين إلي اختيار الشعب و حمايته و لكن البعض مازال مصرا علي اعتبار 25 يناير ثورة شعبيه و 30 يونيو انقلاب عسكري.