منذ ست سنوات تقريبًا كثرت بشكل مكثف المبادرات الرامية لتطوير الجامعة العربية، بصورة جعلت الأمين العام للجامعة عمرو موسي يعلق قائلا: السماء تمطر مبادرات!! واليوم يتجدد الحديث عن تطوير الجامعة وتغيير اسمها وإعادة هيكلة إداراتها بمناسبة انعقاد القمة العربية الخماسية في طرابلس بليبيا (الإثنين 28/ 6) بحضور زعماء ليبيا ومصر واليمن والعراق وقطر، لبحث سبل تطوير منظومة العمل العربي. وجاء في البيان الختامي للقمة أنه بالنسبة إلى "الرؤية الخاصة بتطوير جامعة الدول العربية والأجهزة الرئيسية التابعة لها، اتضح من النقاش الذي دار حول هذا الموضوع وجود وجهتي نظر، الأولى تهدف إلى إحداث تعديل جذري وشامل وبوتيرة سريعة لإقامة اتحاد عربي والاتفاق على ميثاق جديد تنفذ عناصره في إطار زمني محدد". أما وجهة النظر الثانية بحسب البيان "فتتبنى منهج التطوير التدريجي والإبقاء على مسمى الجامعة العربية في المرحلة الحالية وإرجاء بحث إقامة الاتحاد في أعقاب تنفيذ خطوات التطوير المطلوبة وتقييمها". وانتهت القمة إلى الأخذ بالرأي الثاني، وأرجأت بحث إقامة "الاتحاد العربي" إلى القمة الاستثنائية العربية المقرر عقدها في موعد غايته أكتوبر المقبل، بعد أن وافقت على اقتراح تقدم به الرئيس المصري حسني مبارك بأن يكون التغيير متدرجا، وأن يكون التغيير في اسم الجامعة في حدود إضافة كلمة "الاتحاد" فقط، ليصبح "اتحاد الجامعة العربية". وعلى العكس مما يجري تداوله بشأن التطوير خاصة على المستوى الرسمي، أتصور أن مشكلة العمل العربي ليست في الشكل والإطار بقدر ما هي في الجوهر والمضمون، وأن استحضار النموذج الأوروبي خاصة - الذي غير اسمه إلى الاتحاد الأوروبي- هو استحضار يمارس قدرا غير قليل من التبسيط؛ إذ هو يتجاهل مضمون التجربة الأوروبية المغايرة تماما للتجربة العربية في العمل المشترك؛ بينما يركز على الاسم والشكل فقط!! فالتجربة الأوروبية - عبر حكوماتها- تعبر بالأساس عن إرادة شعبية قادرة على اختيار من يمثلها ومحاسبتهم ومعاقبتهم إذا لزم الأمر، ولذلك يجيء القرار الأوروبي معبرا عن مصالح الشعوب الأوروبية. الأمر الآخر أن التجربة الأوروبية هي محصلة لمجموعة دول قوية اقتصاديا ومستقلة سياسيا (أقصد الإرادة السياسية وليس فقط الشكل)، فليس غريبًا أن يكون قرارها بيدها لا بيد غيرها، وأن يكون انعكاسا للمصالح الذاتية أولا وأخيرا. وبالنظر إلى العمل العربي المشترك، نجد أن ثمة عوامل أدت إلى ضعفه وتشرذمه، منها: 1- ارتهان القرار العربي بدول أخرى لها مصالحها الخاصة في المنطقة العربية والتي لا ترتبط بالضرورة بالمصالح العربية بل هي - أي مصالح تلك الدول الخارجية- متناقضة بالأساس مع المصالح العربية، حتى كانت الدول العربية في مرحلة ما ساحة للحرب الباردة بين القوتين العظميين. 2- الحكومات العربية ليست معبرة عن توجهات شعوبها وتطلعاتهم إذ هي حكومات وصلت للحكم إما عن طريق نظم وراثية أو نظم ثورية لبست في مرحلة تالية أشكالا ديمقراطية دون أن تمارسها فكرا وسلوكا. 3- بعض الحكومات العربية لم تحسم خيارها الثقافي، ولا تُعنى بالإسلام ونظمه وتشريعاته، إنما تتمسح به بالقدر الذي يحقق لها شرعية ما، فهي في الواقع نظم علمانية، وتتصادم "عمليا" مع هوية الأمة، وإن كانت تحرص على "القشرة" الإسلامية. 4- الثروات العربية مازالت مهدرة أو موجهة إلى الترفيه، ولم تستطع الحكومات العربية أن تحقق من خلالها اقتصادا قويا مستقلا يمكنه المنافسة، وهذا أثر من ناحية أخرى على استقلال القرار السياسي. هذه العوامل وغيرها تجعل من المقارنة بين التجربة العربية والتجربة الأوروبية من حيث العمل المشترك، أمرًا كاشفًا وفاضحًا للواقع العربي الذي لم يستطع أن يصنع لنفسه معادلة مستقلة، رغم فائض الإمكانات التي تحت يده.. لكنها مهدرة! [email protected]