على مدى ال 82 عاما ً الماضية ، [ من 1914 وحتى عام 2006 ] ، عاشت مصر 68 عاما ً منها فى ظل حالة الطوارئ وتحت مقصلة قانونها ! ، أى حوالى 83 بالمائة من هذه الفترة الزمنية ، وبمعنى آخر فإن أجيالا ً ولدت وعاشت عمرها ورحلت ، وخلَّفت من بعدها أجيالا ً أخرى ، جميعها ، لم تتنفس أبدا ّ نسمة من هواء الحرية ، ولا مَّر عليها يوم ، أغمضت فيه عيونها واستيقظت ، دون أن يروعها قلق الذهاب " خلف الشمس " ، أو شبح " العسكرى الأسود " ، أو طرقات " زوار الفجر " ، الذين يدقون الأبواب فى ساعات الصباح الأولى ، لكى يأخذوها إلى حيث لا رجوع ، ويلقون بها ، إلى جُبّ ٍ لا قرار له ، الداخل إليه مفقود ، والخارج منه – وما أندره – مولود ! . فمن ساعة إعلان الحرب العالمية الأولى ، وحتى إنهائها ، وكامل فترة الحرب العالمية الثانية حتى نهايتها ، [ ولم يكن لمصر فى هاتين الحربين ناقة ً ولا جمل ! ] ، ثم بمناسبة حريق القاهرة وحتى إعلان دستور 1956 ، ثم من عام الوحدة حتى مايو 1980 ، وبعدها : من يوم اغتيال السادات وحتى الآن ( أى على مدى ربع قرن ممتدة ، وبما يمثل أطول فترة طوارئ – ربما – فى تاريخ العالم أجمع ! ) ، فى عقود السلاطين والملوك والولاة الرؤساء ، تحت ظل الباشوات وهيمنة الضباط ، فى الدولة " الشمولية " والدولة " الانفتاحية " ، فى عهود " الاحتلال " والعصور " الوطنية " . . حُكمت مصر بنظام الطوارئ ، الذى يعلق الحريات ، ويصادر الحقوق ، ويُنكل بالمعارضين ، ويغلق الباب أمام شعاع الضوء ، حتى لا يُظهر الحقيقة ، أو يُعلن " المستخبى " ! ، كما لو كان هذا الأمر " ُقدر " على الشعب ، أو " مكتوب " لا فرار منه !! . واستطاعت النظم الحاكمة التى توالت على إدارة شئون البلاد على امتداد هذه العقود الطويلة ، أن تحول هذه الحالة " الاستثنائية " التى تُفرض لبضعة أيام أو شهور أو سنين قليلة ، فترات الحروب والكوارث البيئية الكبرى ، إلى واقع مستدام ، إلى نظام حياة ( Life System ) ، إلى آليات عمل ، وبحيث أصبح " الاستثناء " هو القاعدة ، و" القاعدة " ، ( أى الحياة الطبيعية – العادية ) ، هى " الاستثناء " !! . وكان من نتيجة هذا الوضع المريع ، أن تحطمت الشخصية المصرية واهتزت مقوماتها " الجوانية " السامية ، وسُحقت إرادتها تحت وطأة الترويع والقهر والتسلط المستمر ، يوما ً إثر يوم ، وعاما ً بعد عام ، وبينما " تسلطن " الفساد والاستبداد ، انزوت " الروح " المصرية الخلا ّقة المبدعة وتمحورت على ذاتها ، بعد أن تعلم الجميع درس " رأس الذئب الطائر " ووعوه جيدا ً ! . ولم يكن غريبا ً – فى هذا السياق – أن ُتحكم مصر ، وحتى الآن ، بقوانين صاغها المستعمر البريطانى فى أوائل القرن ، لمواجهة ثورة الشعب المصرى ، ولقمع انتفاضاته ، فلما أن رحل الاستعمار الأجنبى وجاء الحكم الوطنى ، استمر الحال ، وجعل من هذه القوانين المتسلطة ركنا ً أساسيا ً من أركان حمايته وبقائه ، بدلا ً من يستند إلى الشعب " القائد " الذى غنى له وأنشد الأشعار ، ثم ها نحن قد ولجنا بوابة قرن جديد ، وفوق رؤسنا سيف " ديمقليس " الشهير المعلق بخيط واه ٍ ، يمكن – إن شاءت إرادة الحاكم – قطعة فيهوى السيف على الرؤوس ، يطيح بالوجود ، ويزهق الأرواح ، مرة ً وإلى الأبد ! . * * * * * قبل رحيله كتب شاعر مصر الكبير " صلاح جاهين " ، فى معلقته الخالدة : " على اسم مصر " ، يقول : " القاهرة فى اكتئاب والأنس عنها غاب من عتمة تدخل لعتمة كأنها ف سرداب وقرية مرمى عليها ضل هجّانه الحظر م المغربية بأمر مولانا ومصر فى الليل بتولد والبوليس ع الباب " * * * * * وحتى لا تلد مصر طفلها الملائكى الجديد وهو محاط باللون الأسود . حتى لا يطلق المولود صرخة الحياة و " البوليس ع الباب " . حتى لا تمتد يد جنود الظلام لكى تقطف زهرة الأمل وفرحة الأيام القادمة : لا تسمحوا لحالة الطوارئ " الاستثنائية " أن تصبح هى " القاعدة " . لا تقبلوا أن نُحكم – فى القرن الواحد والعشرين – بما كنا ُنحكم به فى ظل الاحتلال الأجنبى ، فى القرن الماضى ! . قولوا " لا " . . للنظام المرتعش ، الذى لا يستطيع أن يحيا دون قهر الشعب ، ويعرف أن فى رفع حالة الطوارئ المستمرة على امتداد ربع القرن الأخير نهايته . . ونهاية كل ظالم !! . [email protected]