فاجأ الإخوان المسلمون بعض المراقبين بقرار المشاركة فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى المصرى التى تجرى يوم 1/ 6 / 2010 م . لقد ردد البعض – حتى صدقوا أنفسهم وظنوا أن الناس صدقتهم – مقولة أن الإخوان سينصرفون عن العمل السياسى وسيركزون على همومهم وشؤنهم الداخلية بعد انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة واختيار مرشد عام جديد. السبب الرئيسى يعود إلى أن هؤلاء المراقبين رسموا فى نفوسهم هم صورة كاذبة عن المرشد وعن أعضاء مكتب الإرشاد، وصورت لهم تحليلاتهم الخادعة انقسامات وأجنحة بين محافظين ومجددين أو إصلاحيين، بين صقور وحمائم ، بين متشددين ومتسامحين، مما أدى إلى الوقوع فى الخطأ مرتين: أولاً: ببناء تحليلات على انطباعات عامة سريعة، أو تمنيات لدى البعض، وليس دراسات جادة. ثانياً: بتوقع نتائج عملية غير حقيقية على تلك التحليلات . ونسى هؤلاء جميعاً، ومن صدقهم أن الإخوان المسلمين يسيرون منذ مدة ليست بالقليلة على خطة واضحة ترسم سياسات مرنة ولكنها مستمرة وفق استراتيجيات محددة، وأن تلك الخطة لا تتأثر كثيراً بتغييرات فى الأشخاص أو المواقع، لأن الذين يشاركون فى وضعها ورسمها أعداد ضخمة من الإخوان ولجان متنوعة من كافة الأقسام والأماكن، وفق أسس علمية منضبطة. وكانت مفاجأة المشاركة أيضاً بسبب عدم الاهتمام بمجلس الشورى نفسه لأن دوره ما زال محدداً رغم التعديلات الدستورية الأخيرة، وكذلك لإصرار الحكم والنظام على حجب كل المعارضة عن الوصول إلى مقاعد المجلس بالاختيار والمنّ عليهم بالتعيين فى مقاعد محددة لرؤساء الأحزاب. ورغم أن سياسة الإخوان الثابتة بالمشاركة العامة قد دفعتهم من قبل للمشاركة فى انتخابات الشورى منذ عام 1989 ، ورغم إصرار الإخوان على الوجود بالمجلس بعيداً عن التعيين الذى رفضه المرحوم المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمسانى عند بداية المجلس أيام السادات، ورغم ما فعله النظام بفجاجة عندما أسقط عضوية أحد قدامى الإخوان (الأستاذ عثمان إبراهيم)، الذى نجح فى اختراق نادر فى انتخابات على مقعد بسوهاج بتأييد قبلى وشعبى وإخوانى، ورغم ما فعله النظام فى آخر تجديد نصفى عندما منع مشاركة الإخوان من المنبع بالقبض على المرشحين وإتلاف ملفات الترشيح وإغلاق أبواب لجاب قبول طلبات الترشيح بالبلطجية وأرباب السوابق، ورغم إلغاء الإشراف القضائى على الانتخابات ، ورغم دعوات البعض من النخب البعيدة عن الناس بالمقاطعة الشاملة لكل انتخابات. رغم كل ذلك وغيره فقد قرر الإخوان المشاركة بنفس الاستراتيجية والسياسة العامة الثابتة لهم بعدد محدد ( 14 مرشحاً). أهم الدوافع التى دفعت الإخوان للمشاركة هى أن المشهد السياسى لم يتغيّر كثيراً عن ذى قبل، وأن العناد الذى يلازم النظام كما هو، وأن المقاطعة لن تؤدى إلى إجبار النظام على تغيير قواعد العمل السياسى بل ستؤدى فى النهاية إلى إخراج المشهد الانتخابى وفق رؤية النظام بمشاركة ديكورية لبعض الأحزاب التى كانت مشاركتها ضعيفة وليس لها وجود شعبى، بينما حدث تغيير ما فى الصورة بإصرار الإخوان على مشاركة حقيقية فى دوائر لهم بها شعبية كبيرة وقيامهم بدعاية جادة أدت حتى الآن إلى أن يسفر النظام عن وجهه الحقيقى بالاعتقالات المستمرة أثناء الانتخابات وحجب صور الدعاية وتمزيق اللافتات فى أول اختبار لادعاءات النظام بوجود تغييرات حقيقية فى قانون الطوارئ، وأن الطوارئ لن تستخدم إلا فى حالتين فقط: الإرهاب، والاتجار بالمخدرات، فإمّا أن يصدق النظام ويترك الانتخابات بعيداً عن استخدامه لصلاحيات الطوارئ وإمّا أن يظهر مفضوحاً كاذباً أمام العالم كله، لأنه مهما ادّعى من اتهامات للإخوان فلا يمكن بحال من الأحوال أن يقبل إنسان بأن مشاركة الإخوان فى الانتخابات العامة من قبيل النشاطات الإرهابية . الأهم من نظر الإخوان بالنسبة لقرار المشاركة فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى هو أنها مقدمة وتمهيد لانتخابات أهم وأخطر، وهى انتخابات مجلس الشعب القادم فى خريف هذا العام 2010م. لذلك تنتظر قيادة الإخوان من أعضاء الإخوان جميعاً، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، ومن كل القطاعات الإخوانية؛ التى تشارك فى دوائر محددة، والتى لا تشارك فى هذه الانتخابات، المزيد من الاهتمام والرعاية لمجريات الانتخابات، بتشكيل لجان للوعى الانتخابى، والتنسيق مع بقية القوى السياسية المشاركة، والبحث عن أفضل البدائل فى الدوائر التى ليس للمعارضة بها مرشحين، والاهتمام بنزاهة ونظافة العملية الانتخابية، والتعاون مع لجان المراقبة المحلية والإعلام الذين يراقبون الانتخابات، وإحاطة اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية بكافة الممارسات الخاطئة، والطعن عليها قانوناً من أجل ضبط العملية الانتخابية بصورة جادة، ووضع النظام أمام استحقاقات حقيقية يريد الهروب منها، والعمل على التطبيق الجاد للدستور والقانون بعيداً عن ألاعيب النظام الذى يريد تفصيل مواد الدستور والقانون لمصلحته هو بعيداً عن المصلحة العامة والانسجام المطلوب بين نصوص الدستور والقانون. هذه الانتخابات تسبق انتخابات مجلس الشعب بشهور قليلة، ويتخلل الفترة البينية بينهما شهر رمضان المعظم، لذلك هى فرصة متاحة لكل القوى السياسية لحفز الناس والشعب على اإيجابية والمشاركة الجادة وفضح الممارسات الانتهازية للحزب الحاكم، وكشف النتائج الكارثية للسياسات العامة التى يتبعها النظام الحاكم والتى أدت إلى الشعور السائد لدى الأجيال الشابة بالاغتراب فى وطنهم وتعميق حالة اللانتماء فى وسط الأمة، وانتشار موجة جارفة من السلبية واللامبالاة بين الناس، ولذلك كانت فكرة المقاطعة تؤدى فى النهاية إلى تعميق تلك الحالة من اللامبالاة والسلبية والاغتراب، بينما قد تدفع المشاركة إلى بداية العلاج السليم، خاصة إذا اكتشفنا أن معظم الأحزاب والقوى السياسية قد اتخذت قرارها بالمشاركة رغم ما تعانيه من ضعف أو اختلال أو انتخابات داخلية أو خلافات حادة. ما زال لدينا أمل فى التغيير الحقيقى عبر المشاركة الجادة من أجل الإصلاح الشامل الذى لا يلقى بالتبعة فقط على النظام وممارساته بل يدفع الناس والجماهير إلى تحمّل واجبها الوطنى فى منع التزوير وإسقاط نواب العبّارات والمخدرات والطوارئ والقروض ورجال الأعمال الذين أفسدوا الحياة السياسية ويبحثون عن مصالحهم الشخصية ولو كانت على حساب تدمير الوطن. لا وقت للقعود، ولا مكان لليأس، ولا راحة مع العمل الجاد، وعلينا أن نبدأ من الآن فى الإعداد والتجهيز والنشاط فى الحملة الانتخابية المستمرة حتى نهاية هذا العام ولنعلم أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فلنحسن العمل ولنتوكل على الله تعالى، ولا نيأس فإن اليأس قرين الخسران، واليقين بالنصر قرين الإيمان.