الوزير في اللغة هو السند والمعين والوزر بكسر الواو وسكون الزاي هو الذنب والخطيئة يرتكبها الإنسان وينوء بها كاهله وعندنا في بلاد العرب الأجاويد (البلاد الحرة المستقلة) فإن أغلب الوزارات تحمل نقيض معناها وتعمل في كثير من الأحيان ضد الأهداف التى أنشئت أصلا من أجلها. وبعض الوزراء في بلاد العرب الأجاويد، البلاد الحرة المستقلة أيضا من فصيلة القوارض والقوارض الاجتماعية مصطلح أطلقه المفكر الإسلامى مالك بن نبى رحمة الله عليه في كتابه "ميلاد مجتمع" والقوارض الاجتماعية والثقافية في حياة أمتنا هى عينات من البشر احتلت عقولها واختلت ثقافتها وتمادت في سخافاتها، وهذه القوارض كثيرة ومتعددة ، لكن أكثرها خطرا وأشدها فتكا بالأمة طوائف ثلاثة، لكل طائفة منها أدواتها وآلياتها وأساليبها في التشكيك والوقيعة بالخصوم وخداع الفريسة ، ولها أيضا معاولها في التخريب والهدم. وتمثلت هذه القوارض في تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ،وقد عطلت مسيرتنا الحضارية زمنا وأثارت حول شريعتنا الإسلامية كثيرا من الغبار يحجب الرؤية ويزكم الأنوف ، لكن العلماء الأجلاء والربانيين من أهل الإسلام كانوا وما زالوا لهم بالمرصاد ، يدافعون عن دينهم ويردون كيد خصوم الشريعة في نحورهم وينفون عن الإسلام والمسلمين تهمة الشراسة والعدوان ، وهذه الطوائف الثلاثة عبر عنها وجمعها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " .رواه البيهقي وحققه الألباني / مشكاة المصابيح كتاب العلم الفصل الأول الجزء1 ص/ 53 وهذه القوارض فئة تختبئ تحت ستار الحداثة وتحاول جاهدة أن تروج وتشيع مصطلح "العقل في مقابل النص"، وتسعى لتكريس هذا الفهم بالمغالطة والتدليس، وهذه الفئة مع الأسف الشديد هى الأعلى صوتا والأكثر تشويشا وضجيجا، فهم يملئون الساحة عبر صحف ومجلات وفضائيات بكلام عن الحداثة والتنوير، ولا يرون حداثة تتحقق إلا بسلخ الأمة عن دينها وتراثها وحضارتها، ولا يرون تنويرا يحدث إلا إذا انطفأت أنوار الشريعة والتحقت أمتنا وانسحقت في مناهج الغرب ونظمه وقيمه كلها، وذريعتهم واحدة تتكرر في كل لقاء وعلى ألسنتهم جميعا، وهى ضرورة التحررمن قيود النص وقيود التراث، ودور القوراض الثقافية هنا هو العمل على انفصال الأمة التام عن دينها ، وهنالك توزيع للأدوار بين هؤلاء، فبعضهم يجاهر سافرا بدائه وكراهيته، والبعض الأخر يرتدى ثوب الإسلام المستنير، ويبدى إعجابه به وبما فيه من قيم... لولا......لولا... جمود علمائه على النصوص وتمسك القائمين على شؤونه بالظواهر والقشور، وأنه لا بد من مراعاة المصالح، ولا بد للعقل أن يأخذ دوره في فهم النصوص بعيدا عن أى قيود. ولابد من تنقية مناهج التربية الإسلامية مما يحرض على ثقافة العنف ورفض الآخر وما إلى ذلك من الاسطوانة المشروخة التى تعودنا على نغمها القبيح كلما أتيحت الفرصة وجاء دور موسم بداية الحملة، ومن ثم يطرحون القضايا تباعا وبأدوار مختلفة وتحت حجج متنوعة فتسمع منهم مثلا النص في مقابل العقل ،فإما العقل وإما النص، ومن ثم فنحن أمام خيار مر، نتخلى عن العقل ونلتزم بشكلية النصوص ونعيش في عزلة عن الدنيا، أو ننطلق في دنيانا ونلحق بركب الحضارة ويكون لنا بين أمم الأرض مكان ومكانة ؟ وهكذا تبدو دعوى الجمود على النصوص ووقوف الذين احتكروا تفسيرها لأنفسهم، هى أم المشكلات كلها، وأصحابها وهم الإسلاميون طبعا هم سبب التخلف وسبب العجز وسبب التبعية، وسب ما حل بالأمة من أزمات وسبب ماسيستجد في حياتها من كوارث في مستقبل الأيام، ولا مانع من دس كلمة من نوع " ثقافة رفض الأخر" أو "ثقافة الكراهية" أو "ثقافة العنف والتطرف" أو "الجماعة المحظورة" وإدخالها ضمن السياق بغير مناسبة حتى يفهم من يعنيه الأمر أن الكاتب لاخوف منه ولا خوف عليه لأنه من حظيرة كتاب الحزب أو كتاب الشرطة كما يطلق عليهم البعض ، وبناء على الطرح الذي يطرحه هؤلاء يكون على الأمة أن تختار وقد برح الخفاء، إما أن تختار التقدم والحداثة والالتحاق بركب الحضارة والتحرر من قيود النصوص ، وإما أن نعيش قابعين في معتقل الماضى البعيد نستحضر من القرون الماضية خرافات التراث ونجتر حكايات عن السلف لا تثمن ولا تغنى من جوع، وعلى الأمة أن تحدد مصيرها فإما العقل وإما النص. وهذا في الحقيقة كلام مغلف، لأن المراد هو التفلت من ضوابط الشريعة، والتمرد على كل قيم الإسلام، وتحويل مجتمعاتنا إلى كيانات تابعة ملتحقة ومنسحقة ومتجردة من كل خصائصها، لا تستهدف غير أن تعيش الحياة بأي شكل وعلى أى لون، ولو على فضلات ما يلقى إليها من موائد الآخرين ولا ندرى لصالح من يراد لنا أن ننسلخ من ديننا وهويتنا ونتحول إلى أمة تائهة،، وهكذا يبدو الإجحاف في طرح القضايا، بل يبدو التدليس والغش والتشويه واغتيال الحقائق وتحريض الناس بشكل سافر للتمرد على الأصول العقدية والهوية الفكرية والثقافية، والخروج على الثوابت التى تلاقت عليها إرادات الشعوب باختيارها لدين الله عقيدة وشريعة ومنهاجا ، وإذا كان لكل أمة من أمم الأرض ثوابت اتفقت عليها وارتضتها هوية لها ودونتها في دستورها ووضعت نصوصا قانونية لحمايتها وعاقبت كل من يخرج عليها ، فما بال أمتنا تترك ثوابتها (سداحا مداحا) مستباحة من قبل هؤلاء دون تحذير أونكير ؟ وليس هذا بالطبع شأن الأحرار من الأمم ، وليس هذا شأن أمة لها رصيد حضارى أثر في تحضر الدنيا، وساهم في نهضة علمية عالمية لا يزال العالم يعيش بعض خيراتها، ويجنى ثمراتها حتى الآن، ولا شك أن أكبر الموضوعات التى تثير حفيظة هؤلاء وتحدث نوعا من الذعر لدى بعضهم هو الاقتراب من الشريعة، ليس فقط من ناحية الدعوة إلى تطبيقها والاحتكام إليها، وإنما حتى من ناحية دراستها والبحث فيها والإشادة بما فيها من قيم تحرر الإنسان وترقى الوجود وتحمى الحياة . ومن ثم كانت المطالبات بتغيير مناهج الدراسة فى الأزهر وحذف موضوعات الحدود وضرورة الالتحاق بركب الحداثة، ثم كان آخرها ما نشرته الصحف وبشكل مثير ومستفز تحت عنوان " إحالة مناهج التربية الإسلامية إلى فضيلة المفتى" ، ولقد ذكرنى هذا العنوان بعناوين أخرى تحمل في خلفياتها معنى الموافقة على إعدام المجرم بعد إدانته بالجريمة وحكم المحكمة عليه، وطبيعى أننا جميعا نعرف أن الموضوع مختلف، وأن ثقتنا في سماحة الإمام المفتى ومعرفتنا به تجعلنا على ثقة ويقين أن الرجل بعلمه الواسع وثقافته الشاملة وذكائه الحاد لن يبلع الطعم الذي أراد البعض أن يصطاده به، وأنه أكبر وأجل من ظنونهم المخبولة،وأن ورعه وخشيته لله تحول بينه وبين أغراضهم المشبوهة في تمرير ما يطلب منهم، غير أن الدلالة في العنوان خطيرة جدا ومستفزة لكل حر وشريف وأبي، فسماحة المفتى ليست مهمته مراجعة المناهج، ومن ثم فقد أدرك سماحته حجم الاستفزاز فيما يحمله العنوان من محاولة الفتنة والوقيعة بين مؤسستين وهما الأزهر ودار الفتوى وكلاهما يمثل الرأس والرمز والمرجعية، وهما أيضا آخر ما تبقى لمصر أرض الكنانة من الزمن الجميل بعد بيع وخصخصة كل شئ ثم تأميم الدين لصالح الدولة وإخضاعه لعمليات تشريح وتجريح تقوم بها العلمانية المزورة التى ليس لديها مؤهلات علمية ولا تملك أية أدوات أوأليات للبحث، ومع لك تحصد جوائز الدولة التقديرية من أموال هذا الشعب المسكين، وكأن ذلك إغاظة وإمعانا في معاقبة هذا الشعب الذى لا زال يتمسك بدينه وهويته ويعتز بهما معا ويراهما الملاذ الأمن لحماية ذاته من طوفان الالتحاق والانسحاق والدمج والذوبان التى تدعونا إليه العلمانية وتحاول فرضه بالضغط والقهر والإكراه. وقد أدركها سماحة المفتى وتنبه بذكائه إلى ملعوب وزارة الأوزار ومن ثم صرح بعد ذلك بأن الأزهر الشريف هو جهة الاختصاص في مراجعة المناهج وليست دار الفتوى. التصريح رد غيبة المؤسسة التى تخرج منها المفتى وتلقى العلم في أروقتها، ولكن المؤسسة الدينية الكبرى وهى الأزهر أضحت بعد هذا الموقف في حاجة إلى ما يسمى برد الاعتبار في لغة القانون، لكن القانون غائب وإذا غاب القانون فلا اعتبار لكل شئ ولا لأي شئ . وفى ثنايا تلك الحملة تأتى إحالة أوراق مناهج التربية الإسلامية لفضيلة المفتى سعيا لإعدامها والتخلص منها وكأنها مجرم ضبط متلبسا بجريمة شنعاء وعليه أن يواجه الموت بموافقة المفتى حتى لا يعترض معترض. المناهج موضع الاتهام والتى حكم الوزير بإحالة أوراقها لفضيلة المفتى تمهيدا لإعدامها كانت قد راجعتها من قبل لجنة في مجمع البحوث الإسلامية وهو جهة الاختصاص تضم مجموعة من كبار العلماء المتخصصين منهم العلامة المرحوم الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد سيد طنطاوى والدكتور أبو الوفا التفتازانى والدكتور شوقى ضيف والدكتور أحمد عمر هاشم وغيرهم.وقد قالت اللجنة كلمتها وقدمت توصياتها، ولكن يبدو أن المخطط هو استبعاد الإسلام وقص جذوره من حياة أمتنا جملة وتفصيلا على مراحل وبأدوار مختلفة لكل مرحلة سماتها ومهمتها ورجالها ولكن على طريقة التقسيط المريح ، فهل نضجت الطبخة وجاءت مرحلة البداية من الجيل الجديد ؟ وإلا فما الداعى للمراجعة الجديدة ؟ ثم أليس ذلك معناه التشكيك في مصداقية اللجنة السابقة والتشكيك في كفاءة أصحابها ؟ أم أنها الرغبة في الفتنة والوقيعة بين المؤسستين الأزهر ودار الفتوى ؟ أم أن القضية برمتها ليس سوى مجرد رد فعل طبيعى على طريقة الاستجابة للارتباط الشرطى الذي يقول به علم النفس في تلبية الهوى الأمريكى ومحاولة الحصول على رضا السيدة هيلارى كلينتون قبل أن تفوت الفرصة وتغيب عن الساحة ؟ وذلك هو الدور الذى تمارسه القوارض الثقافية عندما تطالبنا أن نستجيب في كل شئ لمن ليسوا من دين الله على شئ، حتى ولو كان الأمر يتصل بتعاليم ديننا وعقائدنا ومناهج تربية أبنائنا ؟ أ.د/ إبراهيم أبو محمد رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة