ربط كثير من مؤرخي العرب القدامى بين الإسكندر الأكبر وذي القرنين، ومنهم من جعل كليهما شخصية واحدة، وذكرهما باسم الإسكندر ذي القرنين، بينما ذهب آخرون إلى أنه لا توجد ثمة علاقة بين ذي القرنين الموحد، وبين الإسكندر الملك الوثني، وذهب آخرون إلى أن ذا القرنين هو كورش ملك فارس، وقال البعض إنه نبوخذ نصر (بختنصر) ملك بابل، وقيل كان ذو القرنين عربيًا من ملوك اليمن، وقيل هو الملك أخناتون، لكن تبقى علاقة ذي القرنين بالإسكندر الأكثر ذيوعًا، وآراء المفسرين والمؤرخين تشير الى غالبية تؤيد، سواء تلميحًا أو تصريحًا، القول بأن الإسكندر هو ذو القرنين، إلى جانب قلة معتبرة تنكر ذلك، ومن أصحاب الرأي المؤيد، قال ابن الكندى: "الإسكندر هو ذو القرنين"، وقال السيوطي عن ذي القرنين: "اسمه الإسكندر"، وذكره ابن الأثير باسم "إسكندر ذي القرنين"، وقد أيد ذلك أيضًا الطبري والمسعودي والقرطبي واليعقوبي والزمخشري وابن عبد الحكم وابن زولاق وآخرون، وممن أنكر ذلك الربط، الإمام الرازي الذي قال إن أرسطو معلم الإسكندر كان كافرًا، وعلى هذا كان تلميذه، وقد أيده المقريزي وقال: "وقد غلط من ظن أن الإسكندرهو ذو القرنين"، ولست أزعم بصحة أحد القولين، وإن كان الرأي الأول له ما يؤيده، فالإسكندر وذو القرنين يبدو بينهما من التقارب أكثر من غيرهما، فذو القرنين كان ملكه يمتد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، قال تعالى: "حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تطلع فى عين حمئة"، وقال: "حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا"، أما الإسكندر فقد امتدت مملكته من بلاد اليونان حتى تخوم الصين شرقًا، وإلى شمال إفريقيا غربًا، وكانت دولته من أعظم إمبراطوريات العالم القديم، أما عن دين كليهما، فذوالقرنين كان موحدًا، أما الإسكندر، فكثيرون يرون أنه كان وثنيًا، بينما يعتقد آخرون أنه منذ ترك الإسكندر اليونان وذهب لبلاد الشرق لم يعد لبلاده مرة أخرى، ثم عاش في بلاد الشرق مهد الأديان وأرض الأنبياء، وقد مال الإسكندر هناك بشدة إلى عادات وطبائع الشرقيين، وتزوج امرأة شرقية، ولهذا يرى البعض أنه اعتنق التوحيد آنذاك، وقد ذكر الفردوسي في الشاهنامة أن الإسكندر ذهب إلى مكة وأحسن معاملة أهلها، ثم طاف بالبيت الحرم، وذكر يوسيفوس أن الإسكندر كان رجلًا تقيًا ورعًا، وكان يقابل الملائكة، وكان يكلمهم ويستمع لنصحهم، وكان يكثر من ذكر الله وتسبيحه. وقد ورد اسم الإسكندر في التوراة عدة مرات، وتحدثت عنه نبوءات التوراة، لاسيما نبوءة دانيال النبي، وقد ورد فيها اسم ذي القرنين باللفظ، ومن جانب آخر، فإن ما نعرفه عن عقائد فلاسفة اليونان الكبار سقراط وأفلاطون وأرسطو ربما تحتاج منا إلى إعادة رؤية، لاسيما أرسطو معلم الإسكندر، وقد قالوا: إنهم لم يكونوا وثنيين، وكانت لهم أفكار تخالف عقائد اليونان الوثنية، ولهذا أعدم سقراط في أثينا بتهمة التجديف والمروق من الدين، فلم يكن يؤمن بالآلهة اليونانية، وكان أفلاطون يؤمن بفكرة الإله الواحد الذي لا ند له، وكان متأثرًا بأفكار معلمه سقراط حتى قيل: إن أفلاطون ليس إلا موسى يتكلم اليونانية، وقد حارب أفلاطون الملحدين الذين يقولون إن الطبيعة لا خالق لها وأنها تدبر أمرها بذاتها، أما أرسطو، فكان متأثرًا بمعلمه أفلاطون، ولم يكن يميل لآلهة اليونان، ولهذا اتهم بالزندقة كسقراط، وحاول الوثنيون قتله لكنه هرب، تلك إشارات قد تفيد في إماطة اللثام عن هوية ذي القرنين.