تنسيق الجامعات 2025.. التعليم العالي تنشر فيديو لتعريف الطلاب بكيفية إجراء "تقليل الاغتراب"    التضامن: لدينا 13072 حضانة مركزة في مصر وهدفنا تحسين خدمات الطفولة المبكرة.. صور    محافظ المنوفية يتفقد مدرسة مصر المتكاملة للغات الجديدة بحي غرب شبين الكوم    «مدبولي»: مصر لن تغض الطرف عن تهديد وجودي لأمنها المائي    ڤاليو تحقق نموًا قويًا في الإيرادات والأرباح خلال النصف الأول من عام 2025 في أول إعلان عن النتائج المالية بعد إدراجها في البورصة المصرية    وزير السياحة يختتم زيارته للبوسنة والهرسك بلقاءات إعلامية    نشاط مكثف ل"بحوث الإرشاد الزراعي" خلال يوليو    "تنمية المشروعات" وبنك القاهرة يوقعان عقدين ب 500 مليون جنيه لتمويل المشروعات متناهية الصغر    الخارجية الروسية: قمة بوتين وترامب تبحث جميع القضايا الدولية ومنها الأزمة الأوكرانية    الاحتلال الإسرائيلي يعرقل دخول المساعدات رغم جاهزيتها في غزة    أغسطس «وش» السعد.. بشرة خير لمدرب باريس سان جيرمان قبل مواجهة الليلة في كأس السوبر الأوروبي    تدخلات لحل الأزمة.. شوبير يكشف آخر تطورات موقف أحمد عبد القادر مع الأهلي    الإسماعيلي ينهي استعداداته لمواجهة بيراميدز بحضور رئيس النادي "صور"    الأمن يحبط مخطط إجرامي لترويج الدولارات المزيفة    الأرصاد تحذر استمرار الموجة شديدة الحرارة حتى الجمعة    نقابة المهن التمثيلية تنعى الأديب صنع الله إبراهيم    بعد تجاهل رسالته.. مصطفى كامل يتمنى الشفاء العاجل ل"أنغام"    محافظ المنوفية يفاجئ مكتب صحة الباجور ويتخذ إجراءات فورية لتحسين الخدمات    إخلاء كامل.. تفاصيل حريق مستشفى حلوان العام    مدبولي يشهد توقيع عقد إنشاء مصنع مجموعة سايلون الصينية للإطارات    بين الاجتهاد البشري والذكاء الاصطناعي، نقاشات حول مستقبل الفتوى الرقمية في مؤتمر الإفتاء (صور)    المشاط: العلاقات المصرية الأردنية تحظى بدعم مباشر من قيادتي البلدين لتحقيق التكامل الاقتصادي    اتصالان لوزير الخارجية مع نظيره الإيراني والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره السعودي تطورات الأوضاع في غزة    وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب أوائل مدارس النيل المصرية الدولية    مجلس الوزراء ينعي علي المصيلحي ويقف دقيقة حداد في بداية اجتماعه    نيوكاسل يتعاقد رسميًا مع ماليك ثياو    "قوية ورادعة".. وزارة الرياضة تعلق على عقوبات جماهير الزمالك    "الشناوي في حتة تانية".. تعليق ناري من الحضري على مشاركة شوبير أساسيا مع الأهلي    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    الصحة: حريق محدود دون إصابات بمستشفى حلوان العام    شجرة أَرز وموسيقى    وزير الري يتابع المشروعات التنموية في سيناء    رئيس جامعة القاهرة يشارك في التصويت بانتخابات صندوق الزمالة    قافلة المساعدات المصرية ال 14 تنطلق إلى قطاع غزة    رئيس جامعة القاهرة يشارك في التصويت بانتخابات صندوق الزمالة ويؤكد تعظيم موارده وتطوير خدماته    مواعيد مباريات اليوم.. قمة باريس سان جيرمان ضد توتنهام بالسوبر الأوروبي    حالة المرور اليوم، زحام وكثافات متقطعة بالمحاور وميادين القاهرة والجيزة    البدري: توجنا بالدوري الأصعب.. وقدمنا كرة هجومية مع أهلي طرابلس    أسعار النفط تستقر بعد بيانات عن تباطؤ الطلب الأمريكي    طيران الاحتلال يشن غارة صوب شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة    طريقة عمل الفطير المشلتت الفلاحي، بأقل التكاليف    عاجل| أمريكا تستعد لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية    رسميًا.. قائمة أسعار الكتب المدرسية لجميع المراحل التعليمية 2025/2026 «تفاصيل وإجراءات الصرف»    المتحدة تُطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    تارا عماد: نفسي البنات والستات يعملوا أكشن في مصر والوطن العربي (فيديو)    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    فترة تحمل لك فرصًا كبيرة.. حظك اليوم برج الدلو 13 أغسطس    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاصد السياسية للتغير
نشر في المصريون يوم 08 - 06 - 2013

أن منهجية التغيير تبدو مرتبطة في جانب منها بالنظرة الحزبية للتغيير. فوجود الأمة كحاملة للواء التغيير أو انحساره في مجموعة أو حزب، يمثلان حالتين منفصلتين، ومسارين مختلفين. فبقدر ما يساهم التحزب في زيادة سرعة وكثافة العمل، وطي المراحل، بقدر ما تراهن الأمة على النفس الطويل والمنهجية الهادئة. والحقيقة أنه على الرغم من وضوح مواقف العقائد والمذاهب، وتفهمنا لمبررات نشأتها عقيديًا وتاريخيًا، إلا أن التاريخ الإسلامي وحاضره لم يحسما شرعية منهجية التغيير التي ظلت مترنحة بين الموالاة والمواجهة، وبين المنازلة والمناصرة، وظل السؤال حول من المصيب ومن المخطئ مجلبة للاختلاف ولنشوء المدارس والفرق والمذاهب. وبمطالعة تاريخ الحركات السياسية والاجتماعية في التاريخ الإسلامي نجد أن الحاضر الإسلامي بقي مشدودًا إلى تاريخه غير المحسوم، ودون أخذ العبرة من مجريات التاريخ والأحداث، وبقيت الأسئلة مطروحة. ودفع عدم الحسم هذا إلى تبني منهجيات مختلفة ومتباينة من أطراف الأمة التي تشكلت في أحزاب وطوائف، والذي عمق لاحقا الفرقة بينها. على قطعة الفسيفساء هذه تشكلت الحركات الإسلامية الحديثة عبر واقعها الذي تنزل فيه الغامض والعنيف أحيانا، ومرجعيتها التاريخية المهتزة، وغلب على التحزب والفرقيَّة الدفع إلى منهجيات التغيير العنفي والمتسرع، وغابت الأمة.. حيَّدتها السلطة حتى يغيب العتاد والعدة، وهمَّشها قطاع عريض من الحركة الإسلامية؛ لأنه ظن أنه قادرًا على حمل التغيير والفوز بالسلطان، فهو الجيل الفريد، والنخبة الواعية والصفوة الفاعلة!
إن الحركة الإسلامية التي نرتئيها ليست ذات لون واحد ولا فكرة واحدة، بل هي مجموعة رؤى وأفكار وممارسات، تجمع في صف واحد المعارض للسلطة والموافق لها، تشمل التحريري (نسبة إلى أنصار حزب التحرير) والتبليغي (نسبة إلى جماعة الدعوة والتبليغ) والصوفي والزيتوني (نسبة إلى جامعة الزيتونة)، والسني والشيعي، والموَكَّلين بالكتاتيب وأئمة المساجد وخطباء الجُمع، حتى إن كانوا يأخذون خطبهم من السُّلطات القائمة ويتغافلون عن ظلمها طمعًا في استمرار مسيرة الدعوة، وأعضاء هذه الحركة الإسلامية هم الجماهير، ومن يتبنى مشروع التمكين بلا مواربة، ومن لا يعرف من الإسلام سوى ركعات فرض تتبعها أحيانا ركيعات نوافل، أو من يعرف الله في رمضان وينساه فيما سواه، المصلي البسيط والصائم الأبسط والحاج المتقاعد، أو من يحمل في قلبه ذرة إيمان، وهم كثير. فالمشروع الإسلامي الذي يتبناه هذا الكلُّ الجامع ويُجمع عليه القاصي والداني منهم، بسيط في تعبيراته عميق في محتواه، وهو ما عنته آية التمكين من سورة الحج " الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" (الحج: 41)، والتي سبقته آية النصر والمؤازرة الغيبية له "وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيّ عَزِيز" (الحج:40)، وفي هذا أكثر من مغزى. وعناصر التمكين هذه التي تمثل برنامج التسيير والتنزيل في خطوطه العريضة، تُشكل أيضا عناصر مرحلة ما قبل التمكين، أي برنامج الأمة ومشروعها الذي تنادي به وتجتمع عليه. يقول ابن عاشور في تفسيره "فأما إقامة الصلاة فلدلالتها على القيام بالدين وتجديد لمفعوله في النفوس، وأمّا إيتاء الزكاة فهو ليكون أفراد الأمة متقاربين في نظام معاشهم، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلتنفيذ قوانين الإسلام بين سائر الأمة من تلقاء أنفسهم". وعندما يصبح برنامج هذا اللقاء الإسلامي خطوطا عريضة وواضحة فإنه يمكن له أن يؤلف بين فئات الأمة ويجمع شتاتها ، قال تعالى: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال: 63). فهل يرفض التبليغي الأمر بالمعروف؟ وهل يخالف الصوفي النهي عن المنكر؟ وهل يعترض الزيتوني على إيتاء الزكاة؟ وهل يعاند إمام الخمس وخطيب الجمعة على إقام الصلاة؟وليس اعتباطًا أن كانت دعوات الأنبياء خطوطا عريضة وميسَّرة في السياسة والاقتصاد والاجتماع حتى تجمع الناس حولها. وهذه الخطوط العريضة لا تلغي الجانب التفصيلي والتجزيئي، ولكن هذا يمثل محطة أخرى ومرحلة ما بعد التمكين. فعلى الحركة الإسلامية حينئذ أن تبين أن الربا من المنكر وتأتي بالمعروف بديلا، وأن الخمر والزنا والغش والرشاوى رذيلة وتأتي بالفضيلة بديلاً، وهذا ليس صعبًا في تنزيله، ولا يواجه الأمة، بل يمثل توضيحا لخطوط سابقة تبنتها واصطحبتها، فهي صاحبة المشروع وتعلم بوعيها التقاء هذا الجزئي بالكلي، غير أنها تطلب تمكينها من البديل "الشرعي".ووجود هذا اللقاء الإسلامي الحامل للمشروع الإسلامي في خطوطه العريضة لا يلغي الاختلاف في الجزئي والتفصيلي، والذي يمكن أن تحمله داخل الفضاء الإسلامي مجموعات وأطراف، لكن دون المساس بالأصل الجامع تنظيما وخطابا. ولعل الآية الكريمة "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا" (الحجرات: 9) تؤكد على إمكانية وجود التعارض بين أصحاب المشروع الإسلامي داخل الفضاء الإسلامي، فالباغية منهم، والباغية عليها منهم، والمصلح منهم، وهو ليس عيبا،بل العيب يتمثل في مواجهة مجموعة للأخرى بدعوى وجود السياسي أو غيابه، أو أولوية الروحاني أو تهميشه. فالتعارض المقبول شرعا والمفهوم عقلا والآخذ بأسباب النجاح وسنن الاستخلاف يكون فقط داخل رباعية التمكين: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس خارجه.
وقد أرادت قطاعات من الحركة الإسلامية أن تكون طرفا في الصراع، وذلك حسب فهمها واعتبارها من قصص الأنبياء ودعواتهم، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه الذين غالبا ما كانوا أقلية يواجهون مجتمعاتهم بأفكارهم الجديدة ويتصدون لبغيها. وكان النصر دائما حليفهم "واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِه" (يوسف: 21)؛ لأن يد الغيب راعية، والهدف هو الشهادة وإقامة الحجة على هذه الأقوام وتأكيد عدل الله فيهم. غير أن اليوم ليس بالبارحة. ومشروع الحركة الإسلامية لا يتنزل اليوم في مجتمع كافر وجاهلي لا يعرف الله ويشرك بعبادته، بل في أمة زاغ بعضها ونافق بعضها وخاف بعضها وآمن الكثير منها. ولذلك ليست دعوتها نسخة لدعوة الرسل لاختلاف الإطار مع وحدة الهدف. فهذا ليس مواجهة بين الكفر والإيمان وفصلاً بين الأمة والكفار، فالأمة الإسلامية هي جزء من الأمة المدنية التي تجمع كل الأطراف من عقائدية وسياسية متنوعة. فالشيوعي جزء من هذه الأمة المدنية وكذلك الليبرالي والمسيحي واليهودي، ولكل طرف الحق في التعبير عن آرائه في تسيير هذه الأمة (انظر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأنصار واليهود المقيمين، والمهاجرين الوافدين فيما اصطُلح عليه بدستور المدينة).
ولم تقع مواجهة بين الأمة الإسلامية والأمة المدنية حتى نكث أحد أطراف هذه الأخيرة المعاهدة ، لذلك فلن يُسحب البساط ممن لا يجد نفسه ممثلا- ممن لا يتخذ الإسلام منهجًا في عناصر التمكين الأربعة وله أن ينادي بما يريد في إطار هذه الأمة المدنية التي تحميها قوانين وتعهدات وخطوط حمراء. والإسلام يستبشر بمن رضي دعوته ويقبل التعايش مع من رفضها "فَإِن تَوَلَّوا فَقُل حَسبَيَ اللهُ لاَ إَلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيهِ تَوَكَلتُ وَهوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيم" (التوبة: 129). وهذا ما عايناه في الصدر الأول من الإسلام، ففي وصية الإمام علي إلى واليّه على مصر مالك الأشتر: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم.. فإنهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".ويتميز هذا الخطاب بميزتين، فهو من ناحية خطاب عام وتجميعي وليس طائفي، يمثل مصالحة للجسم مع نفسه، وهو بالتالي يدعو إلى التقريب وليس إلى التشتيت، وهو من ناحية أخرى خطاب سهل وميسّر، يجعل منهجية التغيير هادئة والتمكُّن سلميا وتنزيل التمكين ذا مراحل ومحطات، لا يصدم ذهنية المجتمع ولا عاداته بل يغيرها بلطف وعلى المدى الطويل، لأن المجابهة وقسرية التنزيل لا تولد إلا جفاء وصدّا وردودا من الداخل والخارج يصعب التكهن بها ومواجهتها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.