كثير من الذين يريدون أن يعزلوا الدكتور محمد مرسي بعد عام من رئاسته، مع افتراض حسن نواياهم جميعًا، هذا رأيهم ولهم كل الاحترام، والاختلاف معهم في طريقة التعبير عن هذا الرأي ومحاولة تنفيذه بالضغط الإعلامي والاحتشاد حول مقر الرئاسة، وغير ذلك.. وأعتقد أنهم لن يرضوا عن أي رئيس آخر ما لم يحقق آمالهم في عام واحد مهما كانت الظروف، وهذا أيضًا رأيهم وله كل الاحترام كذلك، ولكن كان الأجدى بهم بدلاً من كل هذا الصخب أن ينادوا بإضافة جملة إلى الدستور مفادها (مدة الرئيس أربع سنوات على أن يتم الاستفتاء على استمراره كل عام، وإذا خسر الاستفتاء لا يحق له الترشح للرئاسة مرة أخرى)، والأمر متروك بعد ذلك للمسار الدستوري فإذا تم تمرير هذا الشرط - وأعتقد أنه مستبعد - وقَبِلَ الناس أن يرشحوا أنفسهم لهذا المنصب على هذا الأساس، أصبح هو المناسب والدستوري والمتفق عليه من عموم الشعب، أن يتم إعادة الاستفتاء على استمرار الرئيس كل عام! وإذا كان الذين ينادون بعزل د.مرسي في 30 يونيه يراهنون على أن الأغلبية تريد ذلك، فأعتقد أن أي مسار ديمقراطي يعتمد على رأي الناس، بما في ذلك الطرح الذي طرحته، سوف يحقق مطلبهم، فإذا رفضوا جميع المسارات المنضبطة دستوريًّا، فهم بالتالي لا يراهنون إلا على الغلبة في الشارع، وهم يضعون نصب أعينهم نموذج ثورة يناير، وهنا تأتي المفارقة والمغالطة الواضحة، فلا يمكن قبول فعلهم باعتباره ثورة أو استكمالاً للثورة، وفي هذه الحالة تكون دعوتهم مختزلة في استخدام العنف فقط، أو التغيير بالقوة، لأن الاحتشاد في الشارع سوف يقابل باحتشاد مماثل من مؤيدي الرئيس، وهذا منطقي وغير مستبعد، ولا يحق لأحد أن يحرِّم على غيره ما يبيحه لنفسه، بل إن ثورة يناير ذاتها لم توفق في إبعاد مبارك إلا بالفرق الهائل بين أعداد الذين يرفضونه وأعداد الذين يؤيدونه، ولو استطاع رواد ميدان مصطفى محمود في ذلك الحين أن يحشدوا أعدادًا صادقة في التمسك بمبارك وتفُوق أعداد المتواجدين في ميدان التحرير بفرد واحد لاستطاعوا أن يغيروا المشهد لصالحهم. لم تنجح ثورة يناير إذن في إجبار مبارك على التنحي إلا بالفارق العددي، وهذه هي المعادلة التي لم يعرها اهتمامًا دعاة موقعة الاتحادية الثانية، وأعتقد أنهم مستوعبون ذلك جيدًا فما الذي يراهنون عليه؟ لم يبق إلا الرهان على إثارة الفوضى، وحبذا إذا سقط قتلى من الجانبين بأي رصاص؛ على أساس أن سقوط قتلى يسقط شرعية الرئيس، وهذا في تصوري تقدير خاطئ، لأن المشهد يختلف كثيرًا عن مشهد ثورة يناير، ودون الخوض في تفاصيل الاختلاف التي يعرفها الجميع، أكتفي بملمحٍ واحد فقط؛ وهو أنه في ثورة يناير لم يكن من بين المطالبين برحيل مبارك من يطمع في أن يقعد مكانه مطلقًا، أضف إلى ذلك أنه لم يكن لديهم أي مسار دستوري لعزل مبارك أو تحديد مدة حكمه، ولم تكن هناك ثقة فيما يعد به بتاتًا، فكانت مسئولية ما يحدث كاملة تقع على عاتق المتمسك بالحكم والطامع فيه والطامح إليه، وهذه الأمور لم تكن تخص إلا مبارك ونجليه وأعوانه، فكان صعود أرواح الشهداء إلى السماء يؤكد سقوطه وسقوط نظامه لا سواهم. أما في 30 يونيه القادم، فأغلب المطالبين برحيل مرسي يطمعون في الجلوس مكانه، ويعلنون ذلك بصراحة، ولهم مصلحة مباشرة فيه، ولو نجحوا في إبعاد الرئيس مرسي فغالبًا سينقلبون على أنفسهم لا محالة، مما يجعل دوائر الاتهام والمسئولية عما قد يقع من سقوط قتلى على الأرض تشملهم بقوة، وتجعلهم شركاء أساسيين في عواقب ما يحدث، إن لم يكونوا المسئولين الحصريين عنه، وأنا أقول للشرفاء من الذين سيخرجون بهدف إسقاط الرئيس في ذلك اليوم، تدبروا أمركم، وانتبهوا فالمشهد مختلف. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.