أنا أحد معتقلي سجون الحبيب العادلى لقد شاهدت في رحلتي غربة السجن مشاهد تقشعر لها الأبدان من هولها ..وكأن القائمين عليها من الضباط ليسوا بشر ...فالفعل كانت السجون الداخل فيها مفقود .. والخارج منها مولود ..والتعذيب كان ممنهج ويتم بطريقة احترافية من أساتذة متخصصون فى التعذيب ...عندما دخلت السجن كان عمري 29 عاما وخرجت منه وكان عمرى 39 عاما تنقلت خلالها هذه الرحلة فى 4 سجون هي سجن الأستقبال بطره وسجن الفيوم العمومي وسجن الوادي الجديد وسجن قنا العمومي بخلاف الأحتجاز فى مقرات الأمن المركزى ومقرات أمن الدولة كانت بداية اعتقالى فى المملكة العربية السعودية وبالتحديد فى مدينة بريدة بالقصيم حيث كنت أعمل فى بلدية عيون الجواء ..وتم الأعتقال عن طريق مباحث الأمن العام السعودي بقيادة الرائد كما كان ينادونه زملائه (بأبو بندر ) وتم حجزي فى سجن بريدة وسجن الرياض لمدة أكثر من شهر وذلك دون سند قانونى أو حكم قضائي وعندما كنت أسئلهم عن سبب القبض على كانوا يقولون لى لدينا تعليمات أنك مطلوب فى أمن الدولة بالقاهرة وكأننا فى غابه وبالفعل تم ترحيلى الى القاهرة عن طريق المباحث العامة بالسعودية وذلك فى يوم 23 /4/1997 وعند وصولى الى مطار القاهرة كان فى أنتظارى على سلم الطائرة الرائد حسام عبدالفتاح من جهاز أمن الدولة وأكيد هذا أسم حركي كما كانت هي عادة جهاز أمن الدولة .وتم على الفور ترحيلى فى سيارة الأمن المركزى التى كانت فى أنتظارى على بوابة المطار الى مبنى أمن الدولة بلاظوغلي التى كان يطلق عليه السلخانة , وبمجرد دخولى الى المبنى تم تجريدي من جميع أوراقي الشخصية وشنطة هدومى ومتعلاقاتى من نقود وساعة ...وعند صعودي الى الدور الرابع بالمبنى قال لي أمين الشرطة ياحبيب أمك أنسى أسمك وخلى فاكر رقمك وهو 21 وتم تعصيب عيناي بعصابة من القماش وتقيد يدي من الخلف بالكلاب .....وبعد منتصف الليل تم التحقيق معي من قبل ضباط جهاز رعب الدولة وانا متجرد من ملابسى تماما كما ولدتنى أمي وبدأوا بصعقي بالكهرباء في أماكن حساسة وذلك من أجل الاعتراف بأمور لم تحدث مثل أنى سافرت الى أفغانستان أو الى البوسنة والهرسك وأنى كنت أقوم بتمويل الجماعة الإسلامية بالمال من أجل استخدامها فى عمليات عسكرية داخل البلد كما كان الحال فى تسعينيات القرن الماضي ....وهلم جره من التهم التى كانت معده سلفا... وبعد مرور 12 يوم على هذا الحال تم ترحيلى الى سجن استقبال طره وبعد أن قضيت فيه 10 شهور تم ترحيلى الى سجن الفيوم حيث قضيت فيه عام كامل ثم بعد ذلك تم ترحيلى الى سجن الوادي الجديد وقضيت فيه 8 سنوات وكل ذلك دون سند قانوني
أما مشاهد التعذيب داخل هذه السجون فحدث ولا حرج فلا يحدث مثيلا له في أي سجن في أي دولة أخرى حتى في دولة العدو إسرائيل بالنسبة للفلسطنيين ولا حتى في معتقل جونتنامو ..فكانت أمن الدولة تصدر قرارات صارمة بالتالي لإدارة السجون للتعذيب النفسي والبدني والنفسي للمعتقل السياسي وخاصة المنتمى للجماعة الإسلامية ومنها مصادرة جميع المصاحف من المعتقلين ومنع دخول أية مصاحف لهم منع دخول أي ملابس أو أغطية للمعتقلين خلاف الخاصة بالسجون والمعروفة برداءتها الشديدة اختصار وقت زيارة الأهل إلى اقل من خمس دقائق مصادرة زيارات الاهل بما تحمله من أطعمة ومشروبات وملابس وخلافه باستثناء وجبة واحدة يتم اعطائها للمعتقل في كفيه بدون اي اكياس أو اطباق مصادرة جميع المصابيح الكهربائية من الزنازين وإبقائها مظلمة تماما بدون إي مصدر للإضاءة خلاف ما تقوم به مصلحة السجون السجون من حملة تأديبية والتي تبد أ بقيام العساكر بطرق أبواب الزنازين بعصيانهم بقوة لإحداث حالة من الرعب في قلوب المعتقلين المفزوعين أصلا و العساكر يسبون ويتوعدون ويهددون وكأنهم على أبواب معركة كبري وبعد ذلك يقوم احد الضباط بالمرور على جميع الزنازين لإلقاء التعليمات ...كانت ثلاث جمل يكررها أمام كل زنزانة ..الكل يخلع ملابسه تماما باستثناء الشورت الداخلي ...كله يغصب عينيه عينه جيدا ...كله يقف وشه للحيطة في الجهة المقابلة للباب
ثم بعد ذلك الضابط يصرخ: كله يطلع بره ..بره بره يا ابن كذا وكذا أنت وهو ..بعد هذه الجملة بثواني ترتفع صرخات المعتقلين فتشق عنان السماء وتختلط بنباح الكلاب وصوت الصواعق الكهربائية .حيث.كانت لسعات العصيّ اكبر من تختفي وسط هذا المزيج المرعب كانت تمر ساعات طويلة وثقيلة ونحن نحن نقف على أقدامنا ونحن معصوبي العينان ومجردين من ملابسنا ووجوهنا إلى الحائط بانتظار الدور في السلخانة البشرية ..كان الهول اكبر من الشعور بالتعب كان الهول اكبر من الشعور بالعري ..كان الهول أكبر من الشعور بالجوع والعطش ..كان الهول اكبر من الحياة نفسها ... كان البعض يريد أن يشتبك معهم ..لكن الآخرون يقولون لو فعلنا هذا سنقتل وسيقتل كل من في المعتقل ... كانت السياط تنهال على ظهورنا تزاحمها العصّي والصواعق الكهربائية وإعقاب السجائر المشتعلة ..نفقد الشعور بالزمن والواقع وبكل شيء باستثناء الألم الرهيب تصبح الاجساد زرقاء ودامية ..الجميع مطروحون على الارض بلا ادني قدرة على الحراك ..لا يتحرك فيهم سوى ألسنتهم التي ما تزال تلهث بذكر الله