يشكل الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله اللبنانى ”حسن نصر الله“ حلقة خطيرة فى تطور الحزب فكريًا وإستراتيجيًا، فهو خطاب اختلطت فيه الأيديولوجيا بالسياسة، ولم يستطع تفكيكها فى خطابه الأخير، بل قد يكون أرادها هكذا، حتى تختلط الأوراق، ويدفع بالطائفة نحو معركة كبرى فى الوطن العربي. ثلاث أوراق تحدث عنها الأمين العام للحزب، هى فى تصورى خارج السياق التاريخى والسياسى للمنطق العربي، ولهوية الحزب طيلة كل هذه السنوات، فهل خرج من صمته؟ أم هناك فى الأفق قضايا لا نعلمها! الورقة الأولى.. خلط الأوراق: فقد بات واضحًَا، تورط الأمين العام فى الحرب ضد العزل، وضد السنة فى سوريا تحديدًَا، واضطراره إلى حماية النظام الأسدى البعثي، لأنه ينطلق من ذات الثوابت التى ينطلق منها الحزب، ولأن النظام السوري، بل سوريا، باتت تشكل الحاضنة الجيوسياسية، والأرض الحامية لانطلاقة الحزب، وفوق هذا الحفاظ على الوضع الأمنى لإيران الحامية للدولة والحزب! ركز الأمين العام على مركزية ”فلسطين“ كصراع طويل الأمد، واستراتيجى بين العرب وإسرائيل، وأنه سيحرك الماء الراكد فى جبهة الجولان، من أجل تحريرها، و(إعلان فتح الباب للمقاومة الشعبية فى جبهة الجولان المحتل“، وهذه قضية خطيرة، ابتعد فيها الأمين العام عن لب القضية، بغرض توريط وحشد القوى العربية فى صفه، وأنه يدافع عن قضية عربية صميمة، وأن الشرفاء لا بد أن يعينوه، ولهذا جعل من سوريا المرتكز الأساس الذى ينطلق منه. وأضرب تمامًَا عن ذكر الشعب السورى الأعزل الذى يباد وبشكل منظم من قبل النظام السياسى هناك، ولم يلتفت إلى صراخ وآلام الأطفال والنساء واليتامى، بل ذهب لمناصرة الظلم وتمييع القضية وتذويبها فى خلطه بين إسرائيل والقتال فى سوريا، ونحن نعلم بأن الحزب يقاتل فى سوريا بالوكالة عن إيران، وأن انتصاره فى سوريا هو بالضرورة انتصار لإيران وتثبيت قدمها هناك. ثم يؤكد الأمين العام - وهو يعلم أنه يدشن حلقة جديدة من حلقات التطور فى فكر الحزب - أنه سينتصر فى هذه الحرب، ويربط هذا كله بالأيديولوجيا بأنهم أهل النصر والانتصارات وصناع المعارك!! وكذلك يربط الأمين العام بين المعارضة السورية - المتنوعة والمتباينة - وبين الحسابات الأمريكية والغربية، حتى يؤجج مشاعر الناس تجاه المخطط الغربي، وتناسى المشروع الروسى والإيرانى فى المقاومة والمحافظة على كيان الطائفة ونظامها، وبقائها حماية لمشروع الممانعة كما زعم! الورقة الثانية.. السلاح النوعي: ادعى الأمين العام، أنه سيحصل على سلاح نوعى من سوريا، وهناك عدة علامات استفهام، فهل هذا السلاح النوعى مسموح له بالاستعمال وهو سهل المنال عنده؟ هذه قضية خطيرة جدًا، فبينما النظام العالمى يحارب إيران لامتلاكها السلاح النووي، يسمح للحزب بامتلاك السلاح النوعي، كى ينتصر فى المعركة!! إنها إشكالية سياسية كيف نستطيع حلها؟ ونحن نعلم يقينًا أن إسرائيل، لا تريد أن يمتلك الحزب، ولا إيران مثل هذا السلاح، ثم يصرح الأمين العام عيانًَا وعلى مرأى ومسمع من العالم كله بأنه قادر على هذا السلاح! إما أن فى حديثه مبالغة ومحاولة للتشتيت، وإما أنه بالفعل يستطيع - أو يمتلك - امتلاك هذا السلاح، فإذا كانت الضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد السلاح الإيرانى المتوجه للحزب، فكيف يخاطر الأمين العام بهذا التصريح فى ظل هذه الظروف غير المساندة له؟ ثم إن كان يمتلك مثل هذا السلاح - أو يستطيع الحصول عليه - فلم لا يستعمله اليوم فى ظل هذه المعارك الإستراتيجية المهمة جدًا والخطيرة جدًا؟ أم أن هناك تعتيمًا إعلاميًا متعمدًا فى ذلك؟ الورقة الثالثة.. القتال ضد التكفيريين: أراد الأمين العام ”منع سقوط سوريا فى يد التكفيريين والغرب“، فكيف نستطيع التوفيق بين الاثنين؟ من هم هؤلاء التكفيريون الذين يحذر منهم الأمين العام؟ وما الأفعال التى قاموا بها فى سوريا ضد الشعب؟ وكيف يكون الجمع بين متناقضين؟ أم هو الربط المتعمد لتشتيت الأذهان وتفويت الفرص وخلط الأوراق فى سوريا والشام عمومًا؟! هذه هى أهم الأوراق التى تلاعب بها الأمين العام فى خطابه للعقل العربى أولاً، وللعالم ثانيًا، وللشيعة ثالثًا! فهل يريدها الأمين العام حربًا طائفية كبرى؟ أم أنه أراد توريط الشيعة والدفع بهم نحو حماية الكيان الطائفى فيها؟