عندما تأسست حركة "كفاية" عام 2004، استقبلها مبارك بالاستخفاف، خاصة أنها لم تستطع أن تحشد خلفها إلا بضع عشرات من النشطاء. مبارك وأجهزته الأمنية تعامل مع الحركة بمنطق "الفتوة" الذى راهن على "العضلات".. ولم يدرك أن "العقل" نعمة. كفاية وكنت واحدًا من مؤسسيها كانت البديل "الغض" والبكر، للأحزاب السياسية الورقية التى وزعها مبارك على محاسيبه لزوم المنظرة، وتقديم نفسه للرأى العام الغربى فى صورة "الرئيس الديمقراطي". شكلت "كفاية" من طيف وطنى متعدد: إسلاميون وناصريون وقوميون ويساريون وشيوعيون.. وغيرهم من شخصيات غير محسوبة على أى تيار سياسى أو أيديولوجي. كفاية كانت حركة "صغيرة" جدًا، ولكنها كانت كبيرة بشكل غاب عن مبارك المغتر بأجهزته الأمنية الوحشية. كفاية كسرت حاجز الخوف من الطاغية ومن الجلادين فى مقار أمن الدولة المنحل سيئ السمعة، وقالت لمبارك لأول مرة : كفاية.. ارحل! أصاب الحركة بعض الوهن نتيجة الصراعات الداخلية، ومحاولة هيمنة اليسار عليها، ما أدى إلى تأسيس حركة جديدة ورثت "كفاية" وهى حركة "6 إبريل". ظل مبارك على غبائه.. ونظرت أجهزته الأمنية إلى "6 إبريل" بذات النظرة التى كانت ترى بها "كفاية" بوصفهم "شوية عيال". "عيال" 6 إبريل كما كان يراهم الطاغية هم الذين زلزلوا عرشه وطردوه من قصور السلطة، ومارسوا ضغوطاً عبر النضال المدنى فى الشارع على المجلس العسكري، إلى أن وضع مبارك فى السجن وأحاله إلى المحاكمة الجنائية. 6 إبريل تختلف عن "كفاية".. الأخيرة أسست واختفت تقريبًا.. بينما الثانية بنيت على الأولى وصنعت الثورة واكتسبت شرعية البقاء فى الضمير الوطنى المصري.. وما زالت قادرة على الحشد وإيذاء السلطة "المنحرفة". غير أن 6 إبريل، ربما كانت حركة "وظيفية".. وربما تكون قد أدت دورها وفق المرحلة التاريخية التى ظهرت فيها وخصوصيتها، ويبدو لى أن علاقة "كفاية" و"6 إبريل" تعيد إنتاج نفسها الآن.. بعد ظهور حركة "تمرد" الجديدة والتى انتشرت فى كافة المحافظات المصرية بشكل سريع ولافت وبشكل فاق ظهور حركتى: كفاية وإبريل. الإخوان.. نظروا إلى "تمرد" بذات نظرة مبارك ل"كفاية" و"6 إبريل".. نظرة استخفاف "الفتوة" بمن حوله.. وهى نظرة مبشرة وقد تحيلنا إلى الاعتقاد بأن ظهورها، ربما يكون إرهاصًا واستشرافًا للمستقبل القريب، وأنه من المتوقع أن تشهد مصر تغييرًَا سياسيًا كبيرًا يشبه ثورة يناير 2011. [email protected]