لم يكتف الحكام المستبدون بدولنا العربية بفشلهم في التصدي للمشروع الصهيوني بفرقتهم واهتمامهم بمصالحهم الضيقة على حساب المصالح العربية المشتركة، وإنما أجرموا في حق أجيال بكاملها عندما ساهموا في زرع اليأس والعجز في نفوس قطاعات كبيرة من الجماهير وإيهامهم بأن مواجهة الإسرائيليين شيء مستحيل في ظل الظروف الحالية، أعتقد أن بإمكاننا عمل الكثير لنصرة شعب فلسطين والدفاع عن حقوقنا المشروعة، فيما يلي مستويات ثلاثة لإنهاك الخصم ودفعه دفعًا إلى الدفاع عن النفس بدلًا من إدمان العرب تلقى اللكمات وابتلاع الإهانات ثم الاكتفاء بالتحدث عن السلام «كخيار استراتيجي» أو عن «قبول ما يقبله الفلسطينيون»! المستوى الأول يتصل بضرورة إعادة تعريف المشكلة الفلسطينية وتسمية المسميات بأسمائها الحقيقية والعمل على نشرها وإذاعتها بكل لغات الأرض، لابد أن يؤكد الخطاب العربي (الرسمي والدبلوماسي والشعبي والإعلامي) أن هناك احتلالًا عسكريًا، وهناك انتهاكات لحقوق الإنسان، وأن هذا الاحتلال وتلك الانتهاكات مناقضة للقانون الدولي ولكل المواثيق والأعراف الدولية. فهل بالإمكان تغيير الخطاب السياسي والإعلامي لحكوماتنا العربية، ولاسيما في دول الربيع العربي، لتقدم الصراع العربي الصهيوني على حقيقته؟ وهل بإمكاننا تغيير مقرراتنا التعليمية في المدارس والجامعات وإعادة تسمية الأسماء بأسمائها الحقيقية ووضع مشكلة فلسطين كقضية أمن قومي عربي على المستويين الرسمي والشعبي؟ ولماذا لا تستخدم وسائل إعلامنا صفات «العنصرية» و«الاستعمارية» و«التوسعية» عندما نتحدث عن ذلك الكيان؟ أما المستوى الثاني فيتعلق بالتصدي لكل المشروعات التي تستهدف تصفية الحقوق المشروعة لشعب فلسطين والهيمنة على المنطقة كلها، لماذا لا يتم الكشف، ولو إعلاميًا ودبلوماسيًا وشعبيًا، عن مخططات الأمريكيين والإسرائيليين في التطهير العرقي والعزل العنصري وشرعنة الاستيطان فيما أُطلق عليه مؤخرًا مبادلة الأراضي؟ ولماذا لا يواجه العرب قرارات الكونجرس الأمريكي الداعية إلى الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية أو إثارة ما صار يطلق عليه «قضية اللاجئين اليهود فى الدول العربية» وتقديم تعويضات مالية لأكثر من 850 ألف يهودي يُزعم أنهم هُجّروا من الدول العربية؟ ولماذا لا نتحدث في كل مكان عن حق العودة كحق مقدس نصت عليه قرارات الأممالمتحدة وتضمنه لنا جميع المواثيق الدولية؟ المستوى الثالث يهتم بالمقاومة كخيار وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني ولجميع الشعوب العربية، إن مقاومة المحتلين لا تكون فقط بالقوة العسكرية وإنما بكل صور المقاومة، والهزيمة الحضارية والنفسية لمثل هذا النوع من الاستعمار قد تكون المقدمة الطبيعية والضرورية لهزيمته عسكريًا لاحقًا، فمتى وُجد احتلال واستعمار ظهرت المقاومة بكل صورها العنيفة وغير العنيفة، نعم من الصعوبة الآن الحديث عن تحريك الجيوش العربية لكن أليس من المنطقي تحريك العقول وتشغيلها في كل ما يُنهك العدو اقتصاديًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا؟ أليس من الممكن تعزيز المقاومة القانونية والدبلوماسية عبر جميع المحافل الدولية لتعرية الكيان الصهيوني وفضح ممارساته العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني في الداخل وكشف معاناة الأسرى والمعتقلين وتهويد القدس والاعتداء على المساجد. ولماذا لا يتحدث العرب عن «الحل الوسط التاريخي» الحقيقي الذي يُوقف اختراق الإسرائيليين للقانون الدولي والمواثيق الدولية، ويعيد الحقوق الشرعية لأصحابها؟ أي الحل الذي ينزع عن الكيان الصهيوني صفتي «العنصرية»، و«التوسعية»، ويشمل إلغاء كافة القوانين العنصرية والإجراءات التي تُميز ضد غير اليهود، ولماذا لا نتحدث عن أن هناك حلولًا مشابهة نجحت في أماكن أخرى حال ما حدث في جنوب إفريقيا؟ ولماذا لا نتواصل مع جميع الشعوب الحرة والمنظمات الدولية المحايدة في هذا المجال؟ إن الثورات العربية ودخول الشعوب في معادلة السياسة العربية لابد أن تنعكس على سياسات حكوماتنا ولابد أن تمتد إلى الصراع العربي الصهيوني على جميع المستويات، علينا امتلاك إرادتنا السياسية والتمسك بمصالحنا العربية العليا ووضع كل الإمكانات المادية والبشرية في نضالنا الممتد من أجل التحرير والحصول على حقوقنا المشروعة.