موافقة الأمن ضرورية لتعيين أئمة المساجد والصعود على منابرها، ويبدو أنه جاء الدور على من يدخلها للصلاة! صعب أن نتخيل أنه سيأتي يوم تحمل تصريحا في جيبك لتصلي الفروض الخمسة والنوافل والجمعة والعيدين والجنازة، أو أن التصريح لا يتضمن مثلا صلاة الفجر أو العشاء! لكن ما نتصوره مستحيلا قرأناه خلال اليومين الماضيين، فالأمن سيتعامل معك كمشبوه يجب مراقبة حركاته وركوعه وسجوده. كيف تقرأ من المصحف، وربما ستكون الكاميرات التي قرر وزير الأوقاف تركيبها في المساجد قادرة على التقاط سور القرآن الكريم التي تفتحها! لا شك أنه خبر خطير تم ربطه على الفور بالانتقادات التي وجهها الرئيس حسني مبارك للخطاب الديني في المسجد والكنيسة، فتوسعت الصحف والمواقع في الحديث عنه خصوصا بعد طلب الاحاطة الذي قدمه النائب علي لبن لرئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف. ومن ضمن ما نشر أن البابا شنودة رفض تنصيب الكاميرات في الكنائس باعتبارها ملكا للسماء وليس للأرض كما جاء أمس في جريدة "المصريون". الغريب أن الخبر الذي انتشر بسرعة البرق في وسائل الاعلام العالمية تعاملت معه الجهة المختصة وهي وزارة الأوقاف بمبدأ "الطناش". لم يصدر أي تصريح من وزير الأوقاف يؤكد أو ينفي قرار وضع كاميرات مراقبة على مدار 24 ساعة في ثلاثة آلاف مسجد بالقاهرة تبدأ بالأزهر والسيدة زينب والسيدة نفيسة والنور! الوزير والمفروض أنه إمام الدعاة الذين يخضعون لسلطته، تهرب من شرح مفردات قراره، متواريا عن الأنظار، تاركا لمصادره تبرئة الأمن من تلك الكاميرات، وأنها فقط لحماية صناديق النذور من السرقة! وأخيرا أوكل مهمة التوضيح للشيخ شوقي عبداللطيف وكيل الوزارة، فظل يومين كاملين يؤكد تركيب الكاميرات، وهنا ثبتت الرؤية أمام الرأي العام ولم يعد لهم حيلة، فمن أراد الصلاة فليجلس في بيته حتى لا يصبح مشبوها، ويا ويله وسواد ليله لو ضبطته الكاميرات يصلي الفجر في المسجد، هنا سيصبح له ملف في الأمن أخطر وأنيل من ملف الراقصات في الآداب.. أعوذ بالله! لا أعلم هل كان الوزير محمود حمدي زقزوق مستهينا كعادته بحساسية القرارات التي يتخذها دون مشورة أحد من الراسخين في العلم. فمن مشروعه توحيد الأذان إلى مراقبة المصلين لا يترك فرصة التأكيد عمليا على أنه وزير علماني يتولى وزارة للدعوة الإسلامية، ويفعل فيها ما يشاء دون أن يوقفه أحد. رفض البابا شنودة الحاسم زرع الكاميرات في الكنائس أخجلت الحكومة من نفسها ومن وزيرها المتواري عن الأنظار، فصدَرت شوقي عبداللطيف ليلطف من رد الفعل الغاضب، فقال إنها ُزرعت في مسجد واحد فقط لمراقبة صناديق النذور ولم تعمم التجربة في جميع المساجد! ومع هذا جاء النفي بمثابة التأكيد، فقد تحدث عن تجربة موجودة لم تعمم بعد، أي أن هناك مشروعا بدأ العمل فيه. ما يريده زقزوق في مساجد مصر، لو فعلته سويسرا أو فرنسا أو أي دولة أوروبية أخرى في مساجدها لكانت فضيحة تهوي بها إلى قاع الأمم المنتهكة لحقوق الانسان في العبادة!