كنت أقلب في بعض الأوراق القديمة لإعادة ترتيبها أو للتخلص- على مضض- من بعضها فوجدت قصاصة من صحيفة إقليمية تاريخها 1997 تحمل مقالة عنوانها "من يحمي جامعاتنا المصرية". قرأتها فإذا بكاتبها- وجيه أبو ذكري- يتحدث عن التجاوزات التي تحدث في الجامعات، وكيف أن الأستاذية فقدت وقارها وحصانتها وهيبتها، وينعي على الأساتذة توددهم إلى أي مسئول في السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويأخذ عليهم تزاحمهم حول "النفاق" للحكومة لعلها تنعم عليهم بوظيفة مستشار ثقافي أو رئيس هيئة وربما وزير، بعد دفع الثمن من تقاليد الجامعة. وفي المقالة يتساءل الكاتب عما جرى للجامعة المصرية. ورغم مرور ثلاثة عشر عاما على تلك المقالة، فإذا بي وكأنها كتبت بالأمس، فما كان في ذهن الكاتب وقتئذ ليتضاءل أمام ما نعايشه اليوم من أحوال سادرة في التردي بلا توقف. وصواب ولا شك أن هذا التردي يواكب التوسع غير المدروس في إنشاء الجامعات الإقليمية التي ولدت في معظمها مبتسرة غير كاملة في النمو، فكثير من كلياتها ليس لها من الكينونة إلا قطعة نحاسية أو رخامية تحمل اسمها، كما يواكب أيضا- وهو الأمر الغريب- تسريح شيوخ الأساتذة وحرمان الجيل الحاضر من الاستفادة بخبراتهم وتجاربهم. وخلاصة ما يحدث أن تقهقرت جامعاتنا إلى آخر الصف، وسيتحرك ركب جامعات العالم إلى الأمام وستبقى جامعاتنا في مكانها وسيشق عليها اللحاق ولو بذيل الركب. نعم... كل ما قاله الكاتب قبل ثلاثة عشر عاما صحيح، ولا يزال ماثلا أمامنا وبصورة واضحة تمام الوضوح. كثير من القيادات الجامعية ليست على مستوى المسئولية، فهم يديرون الجامعة وفقا للهوى والمزاج الشخصي، ووفقا لما تمليه عليهم بطانة السوء. فمثلا تحار الالباب حين نجد رئيس جامعة يتستر على من يسطون على الحقوق الفكرية للغير ويتربحون من سطوهم. ورئيس اخريتستر على مزورين، وثالث لا يحلو له إلا اختيار المشبوهين ومغموزي السير ليكونوا له مستشارين أو لادارة كلية من كليات جامعته. وكيف رضى رؤساء الجامعات بأن تتحول الجامعة الى سوق رائجة لأردأ وأخس سلعة، وأقصد بها الكتاب الجامعي. فأعضاء هيئة التدريس في الكليات ذات الأعداد الكبيرة والمتوسطة يقتتلون فيما بينهم من أجل الفوز بأكبر عدد من المقررات الدراسية ليضع لكل مقرر كتابا أصفر مصابا بالأنيميا ويفرضه فرضا على الطلاب بأثمان لا يبررها لا شكل الكتاب ولا محتواه. وما أن يفرغوا من توزيعه- بعد الوعيد- حتى تثقل ارجلهم عن المضي الى قاعات الدرس. وبالمناسبة... لقد تناولت كتابا من أحد صناديق القمامة بجوار إحدى اللجان الامتحانية وتصفحته وليتني ما فعلت، إذ قرأت سطرا على إحدى صفحاته يقول أن سيناء بها ثلاث محافظات! فهل يؤتمن أمثال هؤلاء على تربية أجيال وتزويدها بالمعرفة. وما الرأي في أن قيادات إحدى الجامعات الوليدة لا يعترفون بما تمنحه جامعة الأزهر من درجات علمية!... والجديد في هذه الأيام موضوع الجودة والاعتماد، وما ينفق من الأموال المخصصة على المكافآت والأوراق، وسيأتي يوم يعلن فيه عن ضخامة الانفاق وضآلة المردود. الجودة ورقية مظهرية شكلية، فلا جودة في ظل الأعداد التي تضيق بها المعامل وقاعات الدرس، ولا جودة مع التقتير الشديد على التجهيزات والوسائل التعليمية، ولا جودة مع المرتبات المخجلة التي يمنون بها على أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم. ألم نكتف بالضحك على أنفسنا، هل أسكرتنا كرة القدم وغيبتنا عن الوعي، ننام ونصحو على أخبارها، ولا يعلو الهتاف لمصر إلا بعد إحراز هدف، ولا تفتح خزانة الدولة إلا لينهل منها اللاعبون بغير حساب. * * * * استمعنا إلى حديث العالم الجليل أحمد زويل على مدى أربع ساعات كاملة. الرجل متحمس ولكن حماسه ينكسر على صخرة اللامبالاة والبيروقراطية وكراهة العلم. لقد اعترف زويل أنه تعلم تعليما جيدا في المدارس الحكومية وفي جامعته... والسبب معروف، فالاعداد كانت محدودة، والجامعات كان بها بقية من المستلزمات التعليمية، ومرتبات الهيئة التدريسية كانت متوافقة مع ذلك الزمان. لذلك نناشد الدكتور زويل التأكيد على ضرورة الإصلاح السياسي أولا،وإلا اختفت مصر من الوجود لا قدر الله. يارؤساء جامعات مصر اقد انطفأت شعل جامعاتنا، فتعاونوا على إشعالها.