زيارات المسئولين يوم ضائع في مصر. صفة ننفرد بها وحدنا دون بلاد الدنيا. في فيلم "طباخ الرئيس" نزل في جولة بالشوارع فوجدها خالية تماما كأن سيلا ابتلع السكان والمارة وجفت ماؤه من غير أن يترك لهم أثرا. سأل الرئيس "وديتم شعبي فين"؟! كنت أسير بسيارتي ذات مرة في أحد شوارع القاهرة، فإذا بشخص يخبط مقدمة سيارتي بقوة، وقبل أن أفيق من "الخضة" أشار لي بأن أتباطئ واتأخر فسيارة البيه سكرتير عام المحافظة تمرق بجانبي! لولا قليل من الخوف لشخطت فيه ولعنت سنسفيله وسنسفيل البيه، لكني أخذتها من قصيرها واطعت التعليمات مبتلعا غضبي. تسبب موكب الرئيس مبارك ذات مرة في تعطيل وصول سيارة اسعاف إلى المستشفى، وكانت بداخلها امرأة في حالة ولادة. اختنق الجنين وكادت الأم تلحق به، ولم يشفع ذلك لضابط أو جندي أن يسمح للاسعاف بالتحرك من مكانها حرصا على سلامة السيد الرئيس! قبل سنوات بعيدة كنت أقطن في عين شمس، واستخدم قطار شبين يوميا – قبل مترو الانفاق طبعا – في ذهابي إلى صحيفتي بوسط القاهرة. في أيام معينة يتوقف القطار أكثر من ساعة بسبب موكب السيد الرئيس. طبعا مواكب الوزراء والمحافظين وسكرتيري المحافظات ورؤساء المدن أقل وطأة من موكب الرئاسة الذي يشمل الرئيس ونجله رئيس السياسات بالحزب الوطني والسيدة الأولى. آه لو تحرك كل منهما أربع مرات يوميا في عاصمتنا المزدحمة أصلا والتي تسير فيها السيارة بسرعة السلحفاة، حينها ستخلو الأعمال من الموظفين وستأخذ القاهرة كلها اجازة مدفوعة الأجر، وستتعطل المدارس والجامعات. كأن القاهرة لم يكفها مواكب هؤلاء المسئولين، استيقظت ذات يوم على موكب رئيس تحرير جريدة الجمهورية السابق سمير رجب، والحمدلله أنه لم يؤبد في منصبه! لا أعرف مشاعر مدينتي "الأقصر" أمس الأربعاء عندما تشرفت بزيارة السيدة الأولى، لكنها على أي حال لدغت من الجحر الذي تلدغ منه كل يوم أختها الكبرى "القاهرة" وزيادة. بيوت كثيرة حرمت من الأباء والأبناء حيث قامت أجهزة الأمن كالعادة بتوسيع دائرة الاشتباه، وسجلت بيانات جميع سكان المنازل التي مر بشوارعها موكب سيادتها. لا أعرف هل سمح لهم بالخروج قبل يوم من وصولها و بعد ساعات من مغادرتها أم أمروا بالبقاء ضمن حظر تجول غير معلن، لكني متأكد أنهم لم يخرجوا اطلاقا من بيوتهم أثناء مرور الموكب، اغلقوها على أنفسهم بالأمر فلا نوافذ مفتوحة ولا حركة، والحمدلله أنهم لم يرحلوا منها ويبيتوا في العراء! تم تمشيط الجزر النيلية والمناطق الجبلية المتاخمة لأماكن الزيارة. وصدر أمر بوقف الدراسة في بعض المدارس ضمن خطة التأمين. سيسأل البعض: هل تريد أن تزور السيدة سوزان مبارك الأقصر بلا حراسة؟.. لا طبعا ولكنها في النهاية هي زوجة الرئيس وليست "الرئيسة". لا يمكن ان تتحمل دولة تكلفة تأمين زيارات 3 رؤساء لها. هذه الاجراءات التي اتخذت في الأقصر لا يجب أن تكون مع الرئيس نفسه في الحالة الطبيعية! كنت في شارع الكورنيش بالأقصر مع باقي الناس نقف بشكل عادي دون مضايقة من الأمن عندما مر بنا موكب الرئيس الراحل أنور السادات وشاه ايران محمد رضاه بهلوي قبل الانقلاب عليه وكانا في سيارة مكشوفة.. فما الذي تغير الآن، هل هناك حاسة أمنية أكثر حساسية من ذي قبل؟! أصبحنا لا نعاني فقط حكم 3 رؤساء موازيين.. مبارك الأب والابن والسيدة الأولى، وإنما يتم خنقنا بزياراتهم وطلتهم، بل وعلى امتداد عطسة أي منهم! هل سأل أحدهم المنافقين الذين في استقبالهم "وديتوا شعبي فين"؟!