واقعة "اعتقال" الناشط السياسي ومؤسس حركة 6 إبريل أحمد ماهر، أمس الأول، أعتقد أنها إيجابية لإيقاظ وعي المصريين بما يمكن أن تؤول إليه الأمور في مصر، إذا لم ينتبهوا بالقدر الكافي لخطورة المسار الذي تندفع فيه البلاد بعد الثورة، وماهر هو ثالث قيادة من قيادات ائتلافات شباب ثورة يناير الذي يتم إدخاله السجن بقرار نيابة، وأقول إن الواقعة تمثل "اعتقال"، لأن الذي حدث أن جهة ما غير معروفة حتى الآن قررت إدراج ماهر على قوائم ترقب الوصول، وتم القبض عليه في المطار أثناء عودته من أمريكا بوصفه مجرمًا خطيرًا أو إرهابيًا يخشى هروبه داخل البلاد، وترحيله إلى أحد أقسام الشرطة، ثم قاموا بعرضه على النيابة للبحث عن "تهمة" يتم حبسه بها، وكان قرار النيابة بحبسه أربعة أيام كافيًا للدلالة على أن أدوات القمع ما زالت كما هي أيام مبارك، لم تتغير إلا الشكليات، فالتهمة الرئيسية الموجهة لماهر هي التحريض على التجمهر أمام منزل وزير الداخلية، وهذه أول مرة منذ انتصار ثورة يناير أسمع فيها تهمة "التجمهر" التي يحبس بها النشطاء أربعة أيام قابلة للتمديد، حسب التوجيهات، وإذا صحت هذه التهمة فإن حوالي ثمانية ملايين مصري على الأقل نحتاج البحث عن محابس لهم، لأنهم إما تجمهروا وإما حرضوا على التجمهر، بمن فيهم عشيرة الرئيس الذين كانت آخر "تجمهراتهم" أمام دار القضاء العالي، وقاموا فيها بسب القضاء الذي ينتمي إليه المستشار طلعت عبد الله النائب العام، ووصفوه "بالعرة"، دون أن يطرف له جفن أو يعتبر أن هذه إهانة لسلطة دستورية أو أنها إهانة لسلطة القضاء، أو أن ما حدث ترويع للعدالة، ولم يفكر ليس في ضبط وإحضار وإنما في مجرد استدعاء للتحقيق لأي من الذين شاركوا في تلك المهزلة ومسجل حضورهم بالصوت والصورة، لأنهم من الأهل والعشيرة، فقط عندما "يتجمهر" أصحاب أحمد ماهر عند بيت وزير الداخلية يصبح التجمهر تهمة، ولسه يا ما هانشوف، والغريب أن ماهر وأصحابه سبق لهم أن "تجمهروا" أمام بيت رئيس الجمهورية نفسه، وحمل بعضهم البرسيم، في إشارة غير لائقة، وقد أدنتها في مقال سابق ونددت بها، وكانت أدعى للغضب، ومع ذلك يبدو أن "قرار التأديب" لم يكن قد اتخذ بعد من أصحاب القرار، كما أن التجمهر حدث أمام قصر الاتحادية وأمام المحكمة الدستورية وأمام مجلس الشورى وفي عشرات بل مئات المواقع على مستوى مصر كلها، فما الذي ذكر نيابة المستشار طلعت عبد الله بتهمة التجمهر الآن، أم أن منزل وزير الداخلية هو أكثر حرمة من منزل رئيس الجمهورية وأكثر حرمة من دار القضاء العالي؟ أحمد ماهر، الذي أختلف مع كثير من مواقفه السياسية، هو عضو اللجنة التأسيسية الذي كتب دستور الدولة قبل شهرين فقط، وهذه تقريبًا أول مرة تقوم فيها الدولة بسجن من كتبوا دستور الدولة، لأنهم تصوروا أن الدستور الذي كتبوه ونصوا في المادة "50" منه على أن: (للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحا)، ظنوا أنه سيكون كافيًا لممارسة الحق في التجمهر، وأن من ركبوا السلطة سيحترمون الدستور، ويحترمون كرامة المواطن، لكنهم فوجئوا بمن يدوسونه بالأقدام ويستخدمون أدوات الدولة وأجهزتها الخشنة لتأديب المعارضين، قبل أن يمر عام واحد على توسدهم السلطة، وقالت عشيرة الرئيس في بيانات رسمية إنها ضد هذا التوقيف وترفضه، ولكن رئيس العشيرة ومؤسسته لم يصدر عنهم أي بيان ولا توضيح، وقد كان أحمد ماهر شريكه وحامي ظهره في "جبهة فيرمونت" الشهيرة وقت الهلع ومعركة الحسم، قبل أن تنسينا السلطة والرئاسة والكرسي من وقفوا معنا وقت الشدة، لم يصدر أي بيان من رئاسة الجمهورية يسأل الداخلية عما فعلته، كما لم يصدر عن الرئاسة أي موقف يعلق على تحدي الوزير نفسه لأحكام القضاء في عودة الضباط الملتحين لأعمالهم، تخيلوا رئيس الجمهورية عاجز عن إلزام وزير عنده بتنفيذ أحكام القضاء، والمسألة ليست عجزًا في الحقيقة، وإنما معادلة مصالح أصبحت واضحة، الوزير يؤدب خصوم الأهل والعشيرة ويحاصرهم ويقلص حضورهم، ونحن نطلق يده ونحمي ظهره ضد أي شخص أو قوة أو سلطة، حتى لو كانت سلطة القضاء، وحتى لو كان ذلك على حساب مبادئ والتزامات أخلاقية أمام أبناء المشروع الإسلامي الذين انتخبوه، كل شيء جاهز للبيع وقابل للتفاوض، طالما يحقق مصلحة الجماعة.