تعرّض الرئيس مبارك خلال الأسبوع الماضي لأحداث "نجع حمادى" البشعة والجريمة الخطيرة التي كانت جرس إنذار خطير وصل إلى سمع الرئيس فتحدث بصراحة غير معهودة مرتين، صراحة من أحس بخطر جسيم يهدد الأمن الوطني و القومي . طالب الرئيس أولاً المثقفين والمفكرين بالتصدي للظاهرة والعمل على محاصرتها اعترافاً منه بأن هناك استقطاباً حدث بالمجتمع المصري وأن المشكلة لها جذور عميقة وليست مجرد أحداث فردية.ثم تحدث عن المؤسسات الدينية إسلامية ومسيحية. الجديد فى حادثة نجع حمادى أنه ليس وراءها فكر ديني متطرف أو متشدد والمتهمون فيها ليسوا منتمين إلى الجماعات المتطرفة بل لهم علاقات وثيقة بالأمن والحزب الوطني الذى يرأسه الرئيس، والضحايا الأبرياء كانوا يحضرون قدّاس عيد الميلاد، والخلفية هي توتر اجتماعي خطير سببه الفقر والبطالة والانهيار الأخلاقي الذى أدى إلى حوادث اغتصاب وجرائم شرف وتداول لكليبات بها ما يشين الأسر والعائلات . الرئيس ركز خلال تناوله للحدث على 3 حلول : الأول : القانون الحاسم والعدالة الناجزة . الثاني : الخطاب الديني المعتدل : إسلامياً ومسيحياً ودور الأزهر والكنيسة . الثالث : دور المثقفين والمفكرين والمجتمع الأهلي . وليسمح لي السيد الرئيس أن أنقل إليه العقبات التي تواجه تلك الحلول التي لا يختلف عليها أي مصري.والتي إن لم يتم علاجها فسيذهب كلام الرئيس كما ذهبت كل المحاولات السابقة إدراج الرياح وتبقى المشاكل تتفاقم وتهدد الوطن بما هو أخطر. العقبة الكؤود فى طريق أي حل هي المناخ العام الذى أوصلتنا إليه السياسات المتبعة خلال الثلاثين عاماً الماضية، والتي أثمرت مناخاً مسموماً. فالمجتمع المدني محاصر ومقيد وهو الحقل الذى يتحرك فيه المفكرون والمثقفون .والأزهر يتصرف كموظفين يراقبهم الأمن والكنيسة أصبحت ممثلا سياسيا للمسيحيين وتفاوض الدولة بهذه الصفة. أما المجتمع الاهلى فالنقابات العمالية مؤممة ولا تجرى بها انتخابات حقيقية. والنقابات المهنية مجمّدة بحكم القانون 100 الذى قتل الديمقراطية فيها، أو موضوعة تحت الحراسة كنقابة المهندسين ،أو محاصرة كما تم يوم الخميس 21/1/2010 فى دار الحكمة بنقابة الأطباء بقوات وجيوش الأمن تحت قيادة جهاز أمن الدولة، أو مقيدة الحركة مثل لجنة الإغاثة الإنسانية التي ترفع اسم مصر عالمياً وعربياً رغم كل العوائق والقضايا والتهم التي يكيلها لها الإعلام الأمني أو التجاهل من الإعلام الحكومي. والجمعيات الأهلية التي وصل عددها أكثر من 20 ألفاً إلا أنها بلا فائدة لغياب الحريات ومحاصرة الروتين والتهديد بسيف الحل الإداري والملاحقات الأمنية. أما القانون الحاسم والعدالة الناجزة فقد فقدت أثرها فى البلاد عندما ضربت الحكومة نفسها بأحكام القضاء عرض الحائط، وما أمر تنفيذ حكم الإدارية العليا الأخير بشأن النقاب عنا ببعيد ( أيا كان رأينا حوله وحول حكمه الشرعي أو دلالته الاجتماعية ) . فقد أصر رؤساء الجامعات ومعهم وزير التعليم العالي ويتقدمهم شيخ الأزهر ورئيس جامعتها العريقة على تنفيذ القرار الإداري المطعون عليه والذي ألغته المحكمة الإدارية العليا وغير ذلك كثير والشواهد لا تخطئها عين . ولا يمكن هنا التسامح فيما جرى للقضاة الذين دافعوا عن المبدأ الدستوري لاستقلال القضاء ودولة القانون ودخول النظام طرفاً فى صراع معهم دون أي إدراك لخطورة ما يعينه ذلك من إهدار لدولة القانون، والدور العجيب الذى تقوم به وزارة العدل من تقييد لحق الدعوى العامة والتدخل المريب فى عمل النيابة العامة التي أئتمنها المجتمع على الدعوى العمومية رغم كل الجهد الذى يبذله المستشار النائب العام عبد المجيد محمود، أضف إلى ذلك المحاكم الاستثنائية وعلى رأسها العسكرية والإصرار على إضفاء مسحة دستورية على ذلك القضاء الاستثنائي ومحاولات مستميتة لوصفه بالطبيعي وما هو بطبيعي أبدا ًمهما كانت المحاولات. دولة القانون وإعمال القانون بحسم والعدالة الناجزة ليست لمواجهة خطر حقيقي يهدد البلاد ولكنه مطلب أساسي لبناء الدولة نفسها وليشعر المواطن بانتماء حقيقي لوطن يمكن فيه الحصول على حقه بطريقة طبيعية وإذا شعر بالظلم يمكنه الذهاب إلى القضاء الطبيعي لاقتضاء حقوقه بسرعة وإذا خاصمته الحكومة لم تذهب به إلى المحكمة العسكرية لتجهز عليه بالإعدام شنقاً أو تصادر أمواله التي شقى فى جمعها طوال سنوات طوال أو ترأف به وبأسرته فترميه خلف الأسوار سنوات طوال معتقلاً لا يدرى ما ذنبه أو محبوساً لأنه نجح فى الانتخابات النقابية أو البرلمانية مرشحاً على قائمة الإخوان. ولنأت إلى الخطاب الديني المستنير ودور الأزهر والكنيسة: فالأزهر أسير التوجيهات الحكومية دوما إلا ما ندر خاصة فى عهد شيخه الحالي وإذا هاجمه الرئيس فإن الهجوم يرتد على النظام فالرجل الذى أعلن مراراً أنه موظف بدرجة إمام أكبر، ولا يمكن المقارنة بينه وبين بابا الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية الذى يأتي بالانتخاب ولا تقيده قيود ويقوم بقيادة ما يمثله دائماً دون وجل أو خوف " شعب الكنيسة " ويرسم أساقفة بالخارج يقودون المظاهرات أمام البيت الأبيض ويمسكون الميكروفونات ليهاجموا مصر ورئيسها ونظامها وغالبية سكانها أمام 10 دواننج ستريت مقر رئيس وزراء بريطانيا ويقدمون باسم المسيحيين المصريين مذكرات مكتوبة تطالب القوى الكبرى بالتدخل فى الشأن المصري الداخلي لحماية الأقباط ويستضيف داخل الكاتدرائية آلاف الشباب الغاضب بحق يهتفون لشارون ويعتدون على رجال الأمن وتحدث الإصابات فى القوات. بل يرفض بإصرار التدخل ( أي البابا ) لمنع الإساءات المتعمدة للدين الإسلامي والعقيدة الدينية لغالبية السكان فى قنوات فضائية يموله شعب الكنيسة بل ويضفى حمايته على أسقف القوصيه " توماس" الذى ألقى محاضرة فى أمريكا وصف فيها المسلمون العرب بأنهم غزاة احتلوا مصر وأجبروا سكانها على اعتناق الإسلام عندما هاجمه النائب الشجاع "جمال أسعد عبد الملاك" وهدد النائب بالحرمان كما يتردد عن حرمان د. ميلاد حنا أو حرمان حقيقي لمخالفيه فى الرأي مثل القس الراحل إبراهيم عبد السيد مما يعنى صراحة فى العقيدة المسيحية عدم دخول الجنة وعدم راحة نفس الراحل منهم. هذا ليس خطاباً مستنيراً بل هي سياسات واقعية تحتاج إلى وقفة شجاعة لنزع فتيل التوتر الذى بات اجتماعياً، يجب فض الاشتباك بين دور الكنيسة الروحي والديني الذى لا يجادل فيه أحد وبين الدور السياسي الذى يجب أن يمارسه المواطنون جميعا على قدم سواء ومنهم المسيحيون فى الإطار الوطني العام وان كان المناخ العام كما سلف خانقاً ومقيداً ومعيقاً لأي نشاط فعلى الأخوة المسيحيين مشاركة المواطنين جميعاً لفك القيود عن مصر مثلما يفعل رموز سياسية منهم كجورج إسحاق وأمين أسكندر ورفيق حبيب وجورج عجايبى ( الراحل النبيل ) وغيرهم كثير. الأزهر لا يحتاج إلى دفاع منى- رغم أنني تخرجت منه وأنا على أعتاب الكهولة فى كلية الشريعة وواجبي أن أدافع عنه كرمز للإسلام رغم اى اختلاف مع بعض رموزه – لكن مقارنته هو وخطباء الأوقاف الخاضعين لسيطرة أمن الدولة باعتراف وزيرهم بالكنيسة ورجالها من البابا إلى الأساقفة إلى الكهنة إلى القسس.. الخ هذه مقارنة ظالمة. أطلق سراح الأزهر والأوقاف يا سيادة الرئيس لمحاصرة الفتنة لأن دور الأغلبية أهم وأخطر وواجبها أشد إلحاحاً. أطلق سراح المجتمع الأهلي للنشاط الحر ليستوعب طاقة الجميع ويطالبون بحقوقهم من خلاله بدلاً من اللجوء إلى الكنيسة أو الهجرة خارج مصر للموت غرقاً لأن المسلمين ليس لهم كنيسة يلجأون إليها. أطلق حرية الأحزاب لتستوعب طاقة السياسيين مسلمين ومسيحيين وتعطيهم أملاً فى التغيير السلمي. يا سيادة الرئيس أطلق سراح مصر كي تدافع عن وجودها وأمنها.