قضيت في الكويت ثلاثة أيام هي النصف الثاني من الأسبوع الفائت ، كانت الدعوة من مركز "أبعاد" للأبحاث وهو مركز دراسات أهلي أنشأه مثقفون إسلاميون بهدف أن يكون جسرا بين الفكر الإسلامي ومشروعات التحديث على مختلف الأصعدة ، وكان موضوع اللقاء هو الدعوة إلى تأسيس "منتدى المفكرين المسلمين" ، حيث شارك في اللقاء حوالي عشرة من المفكرين والكتاب الإسلاميين ، مثل الرمز التونسي المعروف الأستاذ راشد الغنوشي والعلامة الموريتاني الدكتور محمد الحسن بن الددو والدكتور سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب التجديد المغربي وعضو البرلمان والباحث والكاتب الكويتي عبد الرحمن الجميعان والدكتور جاسم السلطان المثقف القطري المعروف، والأستاذ ربيع الحافظ الباحث العراقي المهاجر في لندن وكاتب هذه السطور وآخرين ، ودارت حوارات فكرية ثرية ربما عدت إليها ببعض الوقفات ، غير أن ما أردت الوقوف عنده في هذا المقال هو ما لاحظته عندما عدت ، حيث كنت قد شغلت بالفعل وانقطعت عن أخبار البلد ، قرأت طرفا من الجدل المثار حول زواج الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء ، وهو حدث عادي لا معنى له ، ربما كان طريفا لكون طرفه هو رئيس الوزراء الغارق في العديد من المشكلات والمصائب التي تراكمت على مصر مؤخرا ، ولم أفهم معنى للضجيج الذي انتشر حول الموضوع ، إلا إذا كانت البلد أو مثقفيها قد فرغوا من الهموم الحقيقية فراحوا يشغلون أوقاتهم بالتسلية لملئ وقت الفراغ ، دهشت أكثر من موقف الزميل مصطفى بكري ، النائب البرلماني ، عندما قدم استجوابا أو سؤالا برلمانيا ، لا أذكر ، استنكارا لأن يكون الإعلان عن خبر زواج رئيس الوزراء يأتي من خلال المتحدث باسم مجلس الوزراء ، معتبرا أن ذلك يمثل خلطا بين شخص الدكتور أحمد نظيف كرئيس للوزراء وبين خصوصياته الأسرية التي لا تخص أحدا غيره ، وبالتالي فكيف يتولى مسؤول رسمي هو المتحدث باسم رئاسة الوزراء الإعلان عن هذا الخبر ، حاولت استيعاب ما قصده زميلنا العزيز من هذه الضجة المثيرة فلم أجد أي معنى في الحالة المصرية ، واستنكار مصطفى بكري أشبه بمن يقف أمام قضية تمس الأمن القومي للبلد مثلا ، فراح يحدد ملاحظاته بالحديث عن عدم تناسق جورب أحدهم مع لون حذائه أو أن أحدهم شرب زجاجة مياه غازية على سبيل الهدية ، هذه السفاسف يصعب أن يتصدر لها القلم الجاد أو يهدر فيها وقته ومداده ، ربما إذا كنا في مجلس العموم البريطاني أو البرلمان الياباني يمكن الحديث بمثل هذه الشفافية العالية والدقة البرلمانية المرهقة للجميع ، أما ونحن نتحدث في برلمان مصر التي نعرفها ونعرفه ، وتكون قضيتنا أن المتحدث باسم رئيس الوزراء أعلن خبر زواج رئيس الوزراء ، وهذا لا يليق أو لا يجوز ، فهذا يمثل إهدارا لسلسلة أولويات طويلة عريضة يعاني منها ملايين المواطنين هي أولى عندهم ألف مرة من خبر زواج أحمد نظيف حتى لو أعلنه رئيس الجمهورية نفسه ، لم تصل مصر بعد إلى هذا المستوى من الترف البرلماني والسياسي الذي يتوقف عند مثل هذه المسائل ، بل إني أتصور أن أسعد الناس بمثل هذا الجدل العقيم هو رئيس الوزراء نفسه وبطانته ، لأن انصراف الحديث والنقاش عن هموم الوطن وأزماته الخطيرة إلى هذه التسالي والطرائف يمثل فرصة سانحة للاستراحة والاسترخاء والهرب من الاستحقاقات الأهم ، والحقيقة أن الكثير من المانشيتات الصاخبة والصفحات المطولة في الصحف الخاصة ، هي من ذلك الصنف المشتت لوعي المجتمع والمهدر لطاقات السلطة الرابعة ، وأحيانا الذي يخدم على رغبات وإيحاءات بعض أجنحة الحكم . [email protected]