فركت عيني أكثر من مرة لأتأكد أنني لا أقرأ بلاغا موجها لجهة أمنية. كل حرف وكلمة وعبارة وايماءة وإشارة لا تقول غير ذلك. غسلت وجهي بماء بارد وساخن، فكاتب البلاغ أو قائله هو المهندس أبو العلا ماضي، وأنا أربأ به عن ذلك مهما كانت شدة خلافه مع الإخوان. لو قيل لي إنه الدكتور رفعت السعيد، ما صدقت أيضا رغم عنفه اللفظي في تناوله للحركات الإسلامية! هل خان التعبير ماضي، وجره الانفعال والخلاف إلى أن يقول ما قاله عن جماعته السابقة وعن المرشد الجديد الدكتور محمد بديع. يقينا يعرف أن الجهة الأمنية تتصيد كل ما يصل مسامعها أو عيونها، لا تترك شيئا أو ما تظنه صيدا ثمينا، إلا وتضمنه تقاريرها التي تنطلق منها في حملاتها ضد الإخوان. نقل عنه – أتمنى ألا يكون دقيقا وأن يخرج ليكذبه – قوله في صالون الزميل أحمد المسلماني إن الذين يسيطرون على الجماعة الآن يحاولون عسكرتها، محذرا من عودة الجماعة لأعمال العنف لأن جسمها بتركيبته الحالية يؤمن بالعمل المسلح، لكن هذا العنف مؤجل في المرحلة الحالية. يحذر من؟!!.. لا يمكن الفهم أنه يحذر الجماعة، أو الناس في الشارع. الفهم الوحيد أنها رسالة إلى الأمن. بلاغ من وكيل حزب الوسط المنشق عن الإخوان الذي يعرف أسرارهم وما يضمرونه في نفوسهم وما يجهزونه تحت الأرض للمرحلة القادمة! كلام خطير يا مهندس ماضي، لابد أن المكلف بملف الاخوان في وزارة الداخلية أدخله القفص سريعا، خصوصا أنه أتى من شخصية في حجمك، ولم يلتقطه ضابط من تحريات المخبرين! يقول إن هناك أفرادا أرسلهم "الإخوة" للجهاد خارج مصر، لن يكشف اسماءهم حتى لا يورطهم قانونيا. الإخوان سيشكرونك مرتين، فما زلت تتذكر أنهم "أخوة" رغم أنك تمهد لارسالهم إلى الليمان، ولأنك توقفت في بلاغك فلم تكشف الأسماء.. هل هو كرم منك أم دهاء سياسي يريد أن يقول بعبارة صريحة للجماعة: "إن زدتم زدنا".. وللأمن: "في جعبتي كنز من المعلومات"؟! أخطر ما في البلاغ ما نحسبه استدعاء لقانون الطوارئ والمحاكمات العسكرية.. فأبو العلا ماضي يورط الاخوان مع الجيش، هكذا مرة واحدة دون إدراك للعواقب إلا إذا كان يتمناها وأنا لا أظنه ذاك الرجل. يكشف عن واقعة كان هو ثالثها بأن المرشد الأسبق مصطفى مشهور أجاب بلغة واثقة على سؤال لأحد الإخوان بقوله إن "الجماعة ستصل للسلطة من خلال التنظيم التابع لنا في الجيش"! لا يمكن تحليل ذلك سوى أنه بلاغ موجه لجهة أمنية أخرى، فالذي سيفهمه الجميع أن أبو العلا ماضي يورط أصدقاء الأمس في المحظور الذي لا يجوز الاقتراب منه. نحن هنا أمام بلاغ بعدة اتهامات، كل اتهام كفيل بذبح الجماعة والتخلص منها نهائيا.. عسكرة وتسليح وتجهيز لأعمال عنف.. ثم تشكيل تنظيم اخترق الجيش، بما يعني أنها تخطط لقلب نظام الحكم والسيطرة على البلد، ولا ينسى أن يستدعي الماضي ليوحي بذلك، فالتخطيط لثورة يوليو وانجاحها كان اخوانيا بواسطة تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش. زار عبدالناصر وزملاؤه بعد نجاح الثورة مرشد الاخوان حسن الهضيبي في منزله بحضور حسن العشماوي، وعندما نفى عبدالناصر وعده للاخوان بأن الثورة "حتبقى ثورتهم في حال نجاحها" قام المرشد بطردهم قائلا "المقابلة انتهت"! ما زلت أفرك عيني غير مصدق. الخصومة السياسية لا يجب أن تصل إلى التحريض، فالسياسيون يفترقون لكنهم لا يسلمون رقابهم للسلطة لترميهم في السجون.