عاودت إسرائيل إعادة أسرى محررين في صفقة "وفاء الأحرار" مقابل إطلاق سراح الجندي "جلعاد شاليط" إلى سجونها، ضاربةً ببنود الصفقة عرض الحائط، وهذا يعد خرقًا لاتفاقية الصفقة، حيث إن إسرائيل لم تلتزم بها، رغم إشراف جمهورية مصر العربية عليها. جاهل من يقول إن العقلية الإسرائيلية لم تتغير، إن عقلية الإسرائيلي تتغير مع تطور التكنولوجيا، يومًا بعد يوم، حيث تتغير أفكاره وتتطور، لكن مبادئه ثابتة لم تتغير، وسياسته كما هي، فمثلًا "فرق تسد" إحدى سياساته الاستراتيجية، الضعف والخوف والمكر والغدر هي إحدى صفاته وملامح شخصيته، لذلك يعمد إلى تطوير فكره، ونهضة عقله، ليقدر على حماية نفسه وأمنه. إن إسرائيل ليست غبية عندما وافقت على الصفقة، وليست "هبلة" عندما أطلقت سراح عددًا من الأسرى المحكوم عليهم بالمؤبدات، ورغم أنه نصر للمقاومة إلا أننا لم نستطع المحافظة على هذا الإنجاز، فنحن لم ندرك حتى اللحظة ما الذي تريده إسرائيل؟. وبصراحة، نحن الشعوب العربية تعودنا أن نقيس ما بين "أرجلنا" دون التطلع إلى أبعد الحدود، وهذا ناجم عن قصور أدمغتنا، وقلة حيلتنا في التفكير والتحليل. إسرائيل عمدت إلى اعتقال الأسرى المحررين في الضفة، وإعادة محكوميتهم عليهم، لهدف في نفس يعقوب، كما يقال، فهي تنوي أن تطلق سراح أسرى قدامى، حسب ما أقنع كيري نتنياهو، لتكون عبارة عن بوادر حسن نوايا، من أجل استئناف المفاوضات للوصول إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية، فقامت إسرائيل بإعادة اعتقال هؤلاء الأسرى المحررين، كي تطلقهم مرة أخرى في صفقة أخرى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، متبعة سياسة "أعطيك القريب كي أنسيك البعيد"، وهي بذلك تفاوض على ما هو قريب وتحت يديها، لتبعد السلطة الفلسطينية عن التفاوض على ما هو بعيد، وهم الأسرى القدامى الذين أسروا قبل اتفاقية أوسلو، ومحكوم عليهم بأكثر من مؤبد. فإسرائيل تفكر جيدًا، وتحسب الأمور جيدًا، ففي أي صفقة ستطلق سراح الأسرى المحررين التي أطلقت سراحهم في صفقة شاليط، وأعادت اعتقالهم لهذا الهدف، كي تبعد أنظار المفاوض الفلسطيني عن الأسرى الباقين القدامى، فإسرائيل كمن تضع الزجاجة أمامك لتنسى ما خلفها. إنها سياسة قذرة، لكنها في الوقت ذاته، تعتبرها إسرائيل حنكة ودهاءً وخداعًا، ولذا لا يمكن للمفاوض الفلسطيني أن ينجح، ويتعنت في التمسك بحقوقه، إلا إذا درس طبيعة العقلية الصهيونية. وهنا أقول: "يجب على المفاوض الفلسطيني أن يكون ملمًا باللغة العبرية ومفرداتها، حتى يعرف كيف يتلاعب بالألفاظ، ويستخدم عقله جيدًا في التفكير والتدبير، ويكون على معرفة تامة بواقع المفاوض الإسرائيلي الذي أمامه وهو الخصم، وبطبيعة العقلية الإسرائيلية وأدائها في التفاوض، فيعرف المفاوض الفلسطيني كيف يفكر خصمه؟ وفيم يفكر؟ وماذا لديه من أوراق وأساليب وأدوات يمكن أن يطرحها على طاولة المفاوضات". إن إسرائيل تجهز لصفقة جديدة تبرمها مع السلطة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى المحررين التي أطلقت سراحهم في صفقة "وفاء الأحرار" بدلًا من الإفراج عن أسرى جدد، وينبغي على السلطة أن تتنبه لهذه المسألة، فأولئك الأسرى الذين حرروا في صفقة الأحرار التي أشرفت عليها مصر، على حماس أن تطالب مصر بالتدخل العاجل لإلزام إسرائيل ببنود الصفقة. كاتب فلسطيني