قديمًا قال أجدادنا – رحمهم الله – الحاجة تفتق الحيلة.. ونحن الآن فى حاجة إلى مواجهات جادة وحاسمة مع بعض الإعلام المرئى خاصة.. والحل لن يكون أبدًا فى أوامر الضبط والإحضار وبتعاون الشرطة مع النيابة وشغل المحاكم على تعدد درجاتها.. وانشغال - كما هو حادث حاليًا- جهابذة المحامين فى استخلاص (الشعرة من العجينة) بأساليب بارعة أو غير بارعة ولكنها قانونية.. كل هذا لن يجدى أمام سلوكيات بعض الشاشات وما تحويه من سم قاتل فى بعض الأحيان، أو بلطجة وعربدة ومسخرة بالصوت والصورة والتلميح والتصريح.. الحلول القانونية لا تنفع فى مثل هذه الحالات.. لأن سلاح المواجهة لهذه الجرائم يجب أن يكون فوريًا ورادعًا بنفس درجة تأثير هذه الجرائم التى تقتحم الأسماع والأبصار فورًا وبتأثير فاعل، وتدمير مقصود للعقول والأفهام.. الحل وجدته وهو فاعل ومؤثر وفورى ولا يحتاج فقط إلا إلى أن نطبق قواعد لعبة كرة القدم أو أى لعبة أخرى مع هذه الجرائم، فمثلا على اتساع الملعب لا حرج على اللاعبين فى المشى والجرى من أقصى الملعب إلى أقصاه لكن إذا لامست الكرة حدود الملعب وتجاوزت بسنتيمترات قليلة جدًا جدًا .. يتوقف اللعب على الفور، وتنطلق الصفارة لتعلن للملأ عن وقوع مخالفة.. وتتحول الكرة على الفور إلى أيدى الخصم الثانى، دون مناقشة أو منازعة أو طول لسان.. وإلا فالكارت الأصفر والأحمر جاهزان للإطلاق.. فى ملعب الكرة، تنافس حاد بين خصمين وكر وفر ومحاولات جادة من الطرفين لإحراز أهداف ولكن كل هذا يتم بمنتهى الانضباط والدقة فى التطبيق الفورى لقانون اللعبة.. فطالما أنت تلعب بأصول وضوابط، فأنت على العين والرأس، أما إذا تجاوزت أو تعمدت إيذاء اللاعب الخصم بأية حركة أو عرقلة أو ملامسة خشنة فالعقاب الفورى هو الحل.. وهو الذى تطلبه الجماهير المحتشدة.. ويقره اتحاد الكرة المحلى والعالمى و(الفيفا).. بل إن تأخر توقيع الجزاء الفورى الناجز يعرض الحكم نفسه للمساءلة والتأنيب والتأديب.. ومما يجب أن نستفيده من ضوابط كرة القدم على سبيل المثال أن تعمد لاعب عرقلة اللاعب الخصم فى منطقة حساسة من الملعب، وفى منطقة المرمى وجب إيقاف اللعب واللاعب على الفور، وتعرض كل أفراد الخصم الذى وقع هذا الخطأ من أحد أفراده إلى الضرب.. (ضربة جزاء) .. لأن الضرب بمعناه الإعلامى السائد فى الشاشات والتشجيع عليه وإقراره تلميحًا أو تصريحًا محظور تمامًا ونهائيًا فى مجال التنافس الرياضى على وجه الإطلاق، كيف إذن نستفيد من هذه الضوابط التى تجعل من هذا التنافس متعة، وحققت لهذا النوع من الرياضة شعبية عالمية غير مسبوقة.. تطبيق هذا على ما يجرى فى الإعلام سهل وميسور .. الحل يبدأ بتشكيل لجنة خبراء إعلاميين ثقات وقامات من مختلف مفكرى الاتجاهات السياسية وعلماء الإعلام.. هؤلاء وهؤلاء يتفقون على تحديد مفهوم الإعلام، ورسالة الإعلام، وضوابط الإعلام، متى تكون الشاشة مصدرًا للمعرفة الصحيحة لا منبعًا للكذب والشائعات والتشويه والتجريح، متى يكون لسان الإعلامى وأداؤه نقيًا، تقيًا، بريئًا من البذاءات والسفالات، والكذب الصراح، والتهديد متبرئا من سائر التفاهات والترهات التى يقذفها البعض منهم فى أسماع وعقول البسطاء من المشاهدين أو المستمعين.. هؤلاء الجهابذة الفضلاء يتجهبذون وهذا فعل جديد اخترعته لوضع ضوابط دقيقة تتيح حرية التنافس فى ملعب الإعلام الواسع ولكنه على سعته لا يصح بتاتًا الخروج على حدوده أو تجاوزه ولو لكلمات أو إشارات أو غمزات أو همزات أو ترقيص حواجب أو سرسعة أو ما إلى ذلك من أساليب بذيئة ومتردية لا تليق بمستوى الإعلام المصرى الذى نترحم على أساتذته الكبار المحترمين الذين كانوا مصابيح مضيئة، وقدوة طيبة، ونماذج مشرفة.. قضوا نحبهم وظهرت بعدهم كليات أعلام لم يجد خريجوها خريطة طريق يلتزمون بها وينضبطون بقواعدها، وتلقف أصحاب الفضائيات بعض هذه العناصر فملأوا فمهم ذهبًا على طريقة خلفاء وشعراء العصر العباسى ليكونوا ألسنتهم فى هجاء خصومهم، وخلقوا منها طبقة المداحين والهجاءين والشتامين بأجر معلوم سال له لعاب الكثير من شعراء هذا الزمان، كما يسيل له لعاب بعض الذين يحترفون الظهور المسائى على الشاشات، يغترفون من ذهب المعز بأرقام لا تحصى، وفى سبيل ذلك تهون الكرامات وتستباح الحرمات، وتطلق الشائعات، وتتوالى التجاوزات، وتضطر الدولة إلى حماية المجتمع من شرورهم وأذاهم باللجوء إلى النيابات ثم المحاكمات التى قد تسفر عن براءات فتتوالى الحلقات بلا نهايات !! ولكن ماذا عن الجزاءات التى يمكن أن تقترحها لجنة الجهابذة ؟؟.. أرى أنه يجب أن يكون جزاء الخروج على النهج الإعلامى الصحيح والذى تنتهى إليه هذه اللجنة الموقرة المجهبذة، أن يكون العلاج فوريًا ونافذًا ولاذعًا وباترًا.. كيف ؟ هيئة البث التليفزيوني وهيئة الاستثمار التى تصرح لهذه القنوات بالعمل الإعلامى، من حقها إذا تجاوزت هذه الشاشات الحدود الإعلامية، وأصبح ما يقدم على الشاشة خارج خطوط الرسالة الإعلامية الموقرة، حينئذ تنطبق عليها جزاءات كرة القدم تلقائيًا بوقف اللعب أى قطع الإرسال فورًا وتسويد الشاشة تلقائيًا أو منعها من الاسترسال فى الخروج على الخط الإعلامى المقنن إعلاميًا.. وتفرض على القناة المخالفة ( ضربة جزاء) تتمثل فى قطع الإرسال ثلاثة أيام تزداد إلى سبعة أيام فى حالة تكرار المخالفة ثم تزداد إلى شهر كامل ثم يفسخ عقد هذه القناة وتبدأ بعقد جديد ورسوم جديدة بعد إقرارها بالخضوع للضوابط الإعلامية أعدوا كروت صفراء وكروت حمراء للمخالفين من الإعلاميين.. هذه الكروت التى تسمح بطرد المخالفين.. جربوا هذا الحل الفورى .. وارحموا النيابات من أعباء الملاحقات القانونية، ووفروا جهد المحامين المتطوعين للدفاع المهنى لجرائم أخرى.. وارحموا بذلك المشاهدين والمشاهدات من إيذاء أسماعهم وأبصارهم، بهذه الترهات التى فيها سم قاتل.. جربوا ضوابط اللعب فى كرة القدم فى الإعلام فما الإعلام إلا ملعب كبير.. أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.. فتحى الملا المستشار الإعلامى