من لم يطلع أو يسمع أراء عبدالمنعم أبو الفتوح من قبل، وسمعه لأول مرة في العاشرة مساء مع الإعلامية منى الشالي بقناة دريم، سيتساءل فورا مبدياً الدهشة والاستغراب "لماذا اعتقلته السلطات المصرية. لماذا قضى كل ذلك الوقت في السجن وتحت حراسة مشددة. ماذا يريدون منه إعتدالا أكثر من ذلك"؟! لا أخفي إعجابي الشديد بأبو الفتوح – في حالة الأسماء لا أميل إلى اخضاعها لموقعها من الاعراب عملا بأراء بعض علماء اللغة العربية -.. إعجاب دخل نفسي وأنا صغير عندما وقف بين وفد من طلاب الجامعات المصرية، محتجا على نقل الراحل الشيخ محمد الغزالي من جامع عمرو بن العاص إلى وزارة الأوقاف بلا عمل في دولة العلم والإيمان التي كان يرددها السادات دائما. كان مدهشا أن يقف طالب ليقول هذا الكلام أمام من وصف نفسه بأنه آخر الفراعنة. وكان حريا بالاعجاب أن يضيف بشجاعة "لا يبقى في مصر بهذه الطريقة إلا العلماء الذين ينافقون السلطة وينفاقون سيادتك وبقية الحكام". صب السادات جام غضبه على طالب الطب المتفوق في دراسته. كررها عدة مرات صارخا "قف قف. قف" . فيما عبدالمنعم أبو الفتوح يقف بشموخ ويرد بثقة دون أي لحظة خوف أو قشعريرة بدن مما قد يحدث له "أنا واقف". لم يتهته أو يفقد تركيزه وهو يقاطع الرئيس ويشرح له ماذا قصد بقوله. "هناك فرق بين أن ينافقوك وبين أنك تقبل النفاق. كلامي واضح". رغم صغر سني أيامها والسنوات الطويلة التي مرت على الواقعة، لا تزال عالقة بنفسي وذاكرتي كأني سمعتها الأمس فقط وما تردد بعدها من إشاعات عن مصير الطالب الذي قتلته سيارة في الشارع أو اختفى من المنزل والجامعة ولا أحد يعرف مصيره، ولم يكن أي من ذلك صحيحا. بعد كل تلك السنوات يقول أبو الفتوح بوضوح شديد وكلمة قاطعة "السادات كان رجل سياسة من الطراز الأول. لو كان حيا إلى وقتنا هذا لما استطعت أن أحدثه بذلك المنطق كما أن الأولويات والأسلوب لا شك قد تغير". كمراقب لهذه الحركة من خارجها، ومع صعود نجمه وتحليقه في سماء الاخوان المسلمين، ازداد اعجابي به، فأرائه واضحة لا تقبل التأويل. شجاعا في عرض أفكاره حتى لو بدت صادمة، لكنه يظل وفيا حقانيا عادلا في أحكامه، لا يتغير ولا يتشنج ولا يركب الموجة ولا يدعي إن خروجه منها أطاح به من مكانه في عضوية مكتب الارشاد. قال إنه طلب اعفاءه من ذلك فلم يعد قادرا. رأيه وجيه، كيف يظل في مكان مثل ذلك مغيب وراء أسوار المعتقل؟! لم يركبه الغرور فيزعم أنه فوق الانتخابات، أليس فيها فائز وخاسر. مشكلتنا أننا ندعو للديمقراطية ولا نريد تصديق نتائجها. نطالب بانهاء عهد المسئول الأبدي والرئيس الأبدي، ثم نأخذ على حركة إسلامية تاريخية معروفة أن تغير نفسها وجلدها وقياداتها بالانتخابات حتى لو جاءت بالتمرير، فلو سمحت لها الدولة لاستخدمت بنزاهة الصناديق تحت بصر الجميع وإشراف القضاء. في رده على منى الشاذلي التي حذرت مشاهديها من الظن أن كل الإخوان عبدالمنعم أبو الفتوح، ظل مصرا على أن معظم جماعته يسيرون على هذا النهج الذي طرحه بشفافية شديدة. ليس الإخوان بتلك السذاجة التي يفرض فيها عليهم إخراج أبو الفتوح، فمنهم العلماء وأساتذة الجامعات والأطباء والمفكرون والمثقفون. فصيل لا يمكن تسطيح اختياراته وقدراته الديمقراطية. يحسب لديمقراطيتهم خروج أبو الفتوح رغم اسمه الكبير وبروزه الدولي وفكره المميز. يجب أن نصدق هنا أن الانتخابات فوق الأفراد وفوق الأزلية والديمومة. سقط تشرشل انتخابيا وهو منتصر محلق في القمة، فهل اتهمت بريطانيا حينها بالتآمر عليه لصالح قوى أخرى؟! ملحوظة: لست إخوانيا ولم ولن أكون في يوم من الأيام منتميا لفصيل أو حركة او حزب.