في موسم انتخابات جماعة الإخوان المسلمين، اشتبكت وسائل الإعلام مع قضية الانتخابات الداخلية للجماعة، بصورة مكثفة. وتجمعت مئات التحليلات والتعليقات والمتابعات، لتشكل في مجملها الموقف الغالب لوسائل الإعلام تجاه جماعة الإخوان المسلمين. فإذا نظرنا لمجمل ما كتب، لنرى الصورة الكلية للممارسة الإعلامية تجاه الجماعة، سنجد أننا بصدد موقف إعلامي يعمق الفجوة بين الإعلام والجماعة، بل ويعمق أيضا الفجوة بين النخب الثقافية والسياسية وجماعة الإخوان المسلمين. وهو في مجمله موقف رافض للجماعة، يظهرها بصورة سلبية دائما، بل أنه في الواقع يحافظ على الصورة السلبية في مختلف المواقف. فإذا حدث تغير في مواقف الجماعة أو ممارستها، لا ينتج عن ذلك إلا استمرار الصورة الإعلامية السلبية التي يبثها الإعلام عن الجماعة، وكأن موقف الإعلام من الجماعة ثابت، مهما تغيرت مواقف الجماعة. فإذا تابعنا ما كان يقال عن الجماعة قبل الانتخابات وما قيل بعدها، سنجد تعارضا واضحا في المواقف، وكأن الإعلام يدفع الجماعة لمواقف، فإذا قامت بها لامها الإعلام عليها وانتقدها. والنظر لبعض مواقف المشهد، يكشف لنا عن طبيعة علاقة وسائل الإعلام في غالبها بجماعة الإخوان المسلمين. فقد انتقد الإعلام موقف الجماعة الرافض للحديث عن شئونها الداخلية الخاصة، وأعتبر ذلك دليلا ضمنيا على ممارسة الجماعة لأسلوب التنظيم السري. وعندما انكشفت الجماعة بالكامل على وسائل الإعلام، حتى أدق التفاصيل، لم يعتبر الإعلام ذلك نهاية لما سماه أسلوب التنظيم السري في الإدارة، بل ظل يؤكد على استمرار أسلوب التنظيم السري، رغم أن أدق التفاصيل أصبحت معلنة. وانتقد الإعلام قيادات الجماعة التي كانت تصر على عدم الاعتراف بوجود اختلافات داخلية بين قيادات الجماعة، وعندما أعلنت كل الاختلافات الداخلية في وسائل الإعلام، واعترف الكل بوجود اختلافات، رأت وسائل الإعلام أن هذا دليل على أن الجماعة أصابتها أمراض الأحزاب السياسية الأخرى، وأن قياداتها تتصارع حول المناصب. وعندما كانت قيادات الجماعة تصر على إبراز الجانب الإيجابي لها، كان الإعلام يرى أنها تحاول رسم صورة ملائكية للجماعة، وأنها تستعلي على الآخرين. وعندما أظهرت الجماعة خلافاتها الداخلية، وأصبحت تظهر في صورة بشرية عادية، أعتبر ذلك دليلا على خروج الجماعة على أدبيات الجماعة الدعوية. وقد كان المنشور في وسائل الإعلام يطالب الجماعة يعرض وجهات النظر المختلفة بداخلها على وسائل الإعلام، لأنها قضايا عامة تخص الرأي العام، ولا يجوز حجب رأي أو جهة نظر، وعندما حدث هذا، وجدنا نقدا لهذا الخروج الإعلامي، لأنه يسيء لصورة الجماعة أمام الرأي العام، ويظهرها في صورة الجماعة غير المتماسكة، ولم يعتبر ذلك إفرازا للديمقراطية الداخلية. رغم أن صورتها الإعلامية المتماسكة، كانت تعتبر دليلا على اليد الحديدية المسيطرة على الجماعة. وعندما كانت الجماعة ترى صعوبة إجراء الانتخابات الدورية، كان الموقف الإعلامي يؤكد على أن الجماعة تتحجج بالحصار الأمني حتى لا تمارس الديمقراطية الداخلية، لأنها لا تؤمن بها. وعندما أجرت الجماعة الانتخابات رغم الحصار الأمني، رأت وسائل الإعلام في ذلك صفقة بين الجماعة والأمن. وعندما كان مجلس الشورى العام للجماعة لا يمارس دوره لصعوبة انعقاده، كانت الرسالة الإعلامية ترى أن هناك طرقا كثيرة لقيام مجلس الشورى بدوره دون انعقاد المجلس في مكان محدد. وعندما قامت الجماعة باستعادة دور مجلس الشورى العام عن طريق التمرير، رأت وسائل الإعلام أن التمرير ليس قانونيا وغير جائز. رغم أن الجماعة اعتبرته استطلاعا لرأي مجلس الشورى وألزمت نفسها بنتائج الاستطلاع. وعندما كان مكتب الإرشاد يقوم باختصاص مجلس الشورى العام في الانتخابات وينتخب المرشد العام، ويعين أعضاء له، كان يعتبر ذلك أمرا ضد الديمقراطية، وعندما عادت الاختصاصات الانتخابية لمجلس الشورى العام، أصبح الانتخاب بدون انعقاد المجلس غير جائز. يضاف لهذا تغير تصنيف قيادات الجماعة، فالإعلام لم يصنف القيادي في الجماعة الدكتور محمد حبيب في خانة ما يسمى بالإصلاحيين، إلا عندما اختلف الدكتور حبيب مع المرشد العام ومكتب الإرشاد حول موعد إجراء انتخابات المرشد العام الثامن، فبعدها أصبح إصلاحيا بامتياز. وعندما رفض مكتب الإرشاد تصعيد الدكتور عصام العريان لعضوية المكتب، على أساس أن المكتب سوف ينهي ولايته، أعتبر ذلك إقصاء لاتجاه، وعندما انتخب بأغلبية داخل مكتب الإرشاد الجديد، أعتبر ذلك صفقة بينه وبين الدكتور محمود عزت الأمين العام للجماعة. ولم ترى وسائل الإعلام أن عدم انضمام القيادي بالجماعة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وانضمام قيادي آخر وهو الدكتور عصام العريان، يعني أن اتجاها ما مازال ممثلا في مكتب الإرشاد، وبنفس درجة التمثيل، بل رأت في ذلك إقصاء لهذا الاتجاه. لقد مارست جماعة الإخوان المسلمين الشورى الداخلية، بآليات تنظيمية وديمقراطية تمثلت في اللائحة الحالية، وهي قد لا تكون أفضل لائحة، ولا يوجد في الواقع لائحة مثالية. ولكن الإعلام دخل طرفا في الجدل حول اللائحة، وأظهرها بأنها لائحة مرفوضة أساسا، وكأن المطلوب هو تغيير اللائحة بالكامل أولا، ثم ممارسة الانتخابات الداخلية. واعتبرت الصورة الإعلامية أن كل ما يبنى على هذه اللائحة باطل، رغم أن هذا يعني أن أي تعديل سيتم في ضوء المؤسسات التي نشأت من خلال هذه اللائحة سيكون باطلا أيضا. وكأن رسالة الإعلام، أنه يريد إحداث انقلابا شاملا في جماعة الإخوان المسلمين، وكأنه يريد من الجماعة أن تكون كيانا آخر، حتى يعترف لها بأي جانب إيجابي. والمشكلة ليست في حجم النقد الموجه للجماعة في الإعلام، ولكن المشكلة في دلالة هذه المواجهة الإعلامية، والتي تؤكد على تزايد الفجوة بين النخب وجماعة الإخوان المسلمين، وربما بين النخب والحركة الإسلامية عامة، فالحضور السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، يجعلها كبش الفداء.