منذ سنوات قليلة كان مجرد ذكر اسم أسامة بن لادن، باعتباره القائد الأعلى لتنظيم القاعدة والمحرك الرئيسي للعمليات التي ينفذها عناصره، يثير مخاوف وردود أفعال قوية لدى الغرب، لكنه الآن لم يعد يشكل أكثر من مصدر إلهام لقادة وأعضاء التنظيم، حيث أصبحت مقاليد القيادة الفعلية موزعة بين الملا عمر، زعيم طالبان الذي يشن مع أعوانه المنتشرين في جبال كوش الهندية الوعرة الممتدة بطول باكستان وأفغانستان، حرباً مفتوحة ضد القوات الباكستانيةوالأمريكية، وأيمن الظواهري نائب زعيم القاعدة، الذي يسعى للحفاظ على تماسك التنظيم وحمايته، وأبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. ورغم العديد من المؤشرات التي تؤكد انحسار دور بن لادن كقائد أعلى لتنظيم القاعدة، فإنه ما زال يمثل شبحاً مخيفاً بالنسبة للولايات المتحدة، التي تقوم حالياً بالتعاون مع باكستان بحشد أعداد كبيرة من القوات والمعدات القتالية في منطقة وزيرستان الحدودية استعداداً لشن هجوم كبير على بعض المواقع التي تعتقد أنه يختبئ بها، وقد أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي مركزاً له في منطقة جبال كوش الهندية، بالقرب من مقر قيادة القوات الأمريكيةالباكستانية المشتركة في منطقة وادي شيترال شمال غربي باكستان، حيث تتوافد يومياً أعداد كبيرة من المدرعات والآليات، استعداداً للهجوم المنتظر. والحقيقة أن السنوات الأربع الماضية، منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر على الولاياتالمتحدة، شهدت جهوداً مكثفة من جانب الولاياتالمتحدة وحلفائها فيما يسمى الحرب على الإرهاب، من أجل محاصرة أنشطة تنظيم القاعدة وتعقب مصادر تمويله، من خلال عمليات القبض على أعضائه والتضييق على الأفراد والمنظمات المشتبه في وجود روابط وعلاقات مع أعضاء التنظيم، فضلاً عن تتبع التحويلات المالية التي يقومون بها ومصادرتها.، الأمر الذي أدى إلى نوع من الخلل في تماسك التنظيم من الناحيتين الوظيفية والفكرية، كشف عن نفسه عبر العمليات التي قام بها وأعلن مسئوليته عنها خلال السنوات الأخيرة. ليس معنى ذلك أن تنظيم القاعدة قد تحلل ولم يعد له وجود، ولكنه يعنى دخول التنظيم في مرحلة جديدة، تركز على تصعيد المواجهة المباشرة مع الولاياتالمتحدة في العراق وأفغانستان، حيث تجرى الآن مشاورات مكثفة بين الدكتور أيمن الظواهري نائب زعيم القاعدة والملا عمر زعيم جماعة طالبان بشأن جلب المزيد من المتطوعين إلى المركز الرئيسي للقيادة والتدريب في منطقة شمال وزيرستان العشائرية، والتي شهدت مؤخراًً تأسيس إمارة إسلامية بقيادة الملا عمر، حيث يتم تأهيلهم استعداداً للمعركة الكبرى القادمة التي تخطط طالبان للقيام بها ضد القوات الأمريكية وحلفائها في العراق وباكستان. واستنادا لمصادر مطلعة، فإنه قام ثلاثة من أعوان أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق بزيارة إلى منطقة وزيرستان خلال الفترة الماضية، حيث التقوا بنائب زعيم التنظيم الدكتور أيمن الظواهري، والذي أبلغهم رسالة مفادها ضرورة التوقف فوراً عن مهاجمة الشيعة في العراق، والإسراع بعقد مصالحة مع المجموعات الشيعية العراقية، والعمل أيضاً على تطوير إستراتيجية شيعية سنية مشتركة لمواجهة القوات الأمريكية. هذه التطورات الأخيرة عكست التراجع في دور ونفوذ بن لادن، ووجود أزمة قيادة وخلافات فكرية واسعة داخل التنظيم، الذي أصبح ينقسم إلى ثلاث جبهات، الأولى تضم المقاتلين في باكستان وأفغانستان الذين يخضعون للملا عمر، والجبهة الثانية في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، أما الجبهة الثالثة فهي تضم القيادة التقليدية للتنظيم، ممثلة في الظواهري وبن لادن. وفي باكستان وأفغانستان الآن هناك العديد من الشخصيات الإسلامية ذات النفوذ الواسع، مثل الشيخ "طاهر يالديفيتش" عضو الحركة الإسلامية لأوزبكستان، والشيخ "عيسى" وهو مصري الجنسية، وهما يتمتعان باحترام كبير من قيادات القاعدة، لكنهم مع ذلك يقومون بدور واضح في زيادة نفوذ ذوي الاتجاه التكفيري في وزيرستان، وقد تمكنا من توطيد روابطهما مع بعض القيادات الإسلامية المعروفة في باكستان مثل الشيخ "صادق نور" والشيخ "عبدالخالق مولفي"، وأقنعاهما بضرورة تصعيد الهجمات ضد القوات الباكستانية، واعتبار المواجهات العسكرية معها جهاد حقيقي، باعتبار أن هذه القوات تسهل مهمة القوات الأمريكية. في الوقت الذي يعاني فيه تنظيم القاعدة من غياب القيادة الموحدة، وضعف التمويل، فضلاً عن الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها أعضاؤه من جانب الولاياتالمتحدة وحلفائها، فإن ثمة مراجعات تجرى حالياً بشأن تحديد إستراتيجية العمل في فترة ما بعد بن لادن، والتي ستختفي فيها الشبكات السرية إلى حد كبير، ويتزايد الاعتماد على القتال العلني، لكن أكثر ما يهدد التنظيم خلال المرحلة المقبلة هو الخلاف بين قادته حول الموقف من الفكر التكفيري واستهداف المسلمين. المصدر: العصر