إن قضية التنمية الاقتصادية في مصر من أهم القضايا التي تؤرق ذهن كل مواطن وخاصة الباحثين في مجال الاقتصاد لما لها من تأثير يمتد ليصل لكل مواطن أيًا كان مستواه الاجتماعي أو الاقتصادي، وحتى نتمكن من إدراك التنمية والوقوف على أهم مؤشراتها لابد من قراءة جيدة للواقع للتعرف على الفرص والتحديات التي تقف عقبة في طري التنمية، ولإدراك ذلك كان لابد من تكوين قاعدة بيانات دقيقة عن الاقتصاد تكون مرآة للواقع بكل فرصه وتحدياته. ولكن ما يواجهه الاقتصاد المصري من تضارب وتباين البيانات والمعلومات الاقتصادية، ولاسيما المعلومات المتاحة عن الموارد البشرية والأرض الزراعية والإنتاج الصناعي، والتي تشكل لبنات أساسية في القاعدة المعرفية لأي نظام للتخطيط وصنع القرار- يؤدي إلى هدر للموارد وسوء تقدير للاحتياجات، فقد أظهرت أحدث إحصائيات ومؤشرات صناعية صادرة عن الهيئة العامة للتنمية الصناعية التابعة لوزارة الصناعة والتجارة أن عدد المنشآت الصناعية الرسمية المسجلة في مصر وصلت حتى منتصف شهر فبراير2012 إلى 33046 منشأة تصل قيمة الإنتاج لهذه المشروعات إلى 707.4 مليار جنيه, وبلغت قيمة التكاليف الاستثمارية لها 533.9 مليار جنيه، فيما أظهرت النشرة السنوية لإحصاء الإنتاج الصناعي (عام وخاص) لعام 2011 / 2012 الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي عدد المنشآت الصناعية 8806 منشأة وتصل قيمة الإنتاج لهذه المشروعات 499 مليار جنيه بزيادة في قيمة الإنتاج قدرها 27.2 مليار جنيه - بالرغم من انخفاض عدد المنشآت حيث أغلقت 3.5% من هذه المنشآت بعد ثورة 25 يناير 2011- وذلك نتيجة لتضخم الأسعار في نشاط البترول الخام. ويرجع التباين في الأرقام الصادرة عن الجهتين نتيجة اختلاف المنهجيات المتبعة في إنتاج الإحصاءات والمؤشرات من حيث الكيان القانوني للمنشآت - سواء شركات أموال أو شركات أشخاص- وعدد العمال. فوفقًا لمنهجية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن وحدة العد هي المنشأة, وحد القطع بالنسبة للقطاع غير المنظم – الخاص العادي- يتم حصر المنشآت التي يعمل بها 10 أفراد فأكثر, أما القطاع المنظم الاستثماري والقطاع العام يتم عمل حصر شامل لهما بشرط أن تكون المنشأة قائمة بالإنتاج، أما عن منهجية الهيئة العامة للتنمية الصناعية، فيتم حصر جميع المنشآت الصناعية الرسمية المسجلة. ومن البديهي أن التخطيط لتدبير احتياجات ما يقرب من 84 مليون نسمة باستخدام 499 مليار جنيه سوف يختلف كثيرًا عن التخطيط لتدبير الاحتياجات باستخدام 707.4 مليار جنيه، فالتخطيط بافتراض قيمة إنتاج أقل من قيمته الحقيقية يؤدي إلى عجز في المتاح من السلع والخدمات والعكس صحيح، وفي الحالتين يؤدي ذلك إلى هدر للموارد وسوء تقدير للاحتياجات. لذلك فإن القضية الأهم لصانع القرار الاقتصادي هو العمل على توفير قاعدة بيانات على مستوى عال من الدقة وذلك من خلال تفعيل الدور الإحصائي، ووضعه على قائمة أولويات الدولة وإعداد الكوادر المدربة إحصائيًا، وكذلك التنسيق بين الجهات المسئولة عن جمع البيانات الخام وتوحيد المفاهيم والمنهجيات المتبعة، والذي سينعكس بدوره على الأداء الاقتصادي والتنموي. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]