في دولة إسرائيل، يجب أن تكون على ثقة بأن المسجد الأقصى ليس في خطر، فإسرائيل تحافظ عليه بعناية فائقة، ومن الخطير حتى التخمين كيف سيكون مصير المسجد لو انه انتقل إلى أيادٍ فلسطينية. من يقرأ القرآن يعرف أن القدس لم تذكر في آياته ولو تلميحًا، وحتى موقع المسجد الأقصى فهو أمر غير مؤكد، هناك من يعتقد بأنه في السماء، وآخرون يعتقدون بأنه يوجد في الأرض المباركة، أرض إسرائيل والقدس، التي منحها القرآن بوضوح لبني إسرائيل، أما الفلسطينيون - غير المذكورين على الإطلاق في القرآن- فيصرون على أن يكون المسجد والقدس لأنفسهم دون أي مبرر ديني أو سياسي، فعلى مدار التاريخ لم تكن لهم أبدًا دولة فلسطينية، ولم تكن القدس عاصمة لهم، ومن السخيف أنهم يستخدمون قدسية المسجد الأقصى كرافعة لتحقيق إنجازات سياسية، في حين أنه لا توجد أي مدينة إسلامية مقدسة أصبحت عاصمة لبلادها، مكة والمدينة مقدستان، ولكن عاصمة السعودية هي الرياض، كما أن النجف وكربلاء مقدستان، وعاصمة العراق هي بغداد. من فضلك اهدأ عزيزي القارئ.. فهذه العبارات هي الأكثر تهذيبًا بحيث يمكنني اقتباسها من افتتاحية صحيفة "إسرائيل اليوم" يوم 2 نوفمبر 2009، وهي بذلك تمثل نموذجًا لخطاب الإعلام الإسرائيلي الذي يتفهمه الغرب، ويقتنع به كثيرًا عند الحديث عن حق المسلمين في القدس. وإذا كانت الأسابيع السابقة قد شهدت تصعيدًا واضحًا في أحداث فلسطين بشكل عام، وفي القدس خاصة، فإن الحدث الأبرز يبقى هو القناعة التي توصلت إليها جميع الأطراف بعبثية المفاوضات وعدم جدواها، وخصوصًا بعد تحطم الآمال التي كانت معقودة على الولاياتالمتحدة لممارسة ضغوط على إسرائيل، من خلال الصفعة الأكبر لوزيرة الخارجية الأمريكية، التي وصفت اقتراح "نتنياهو" بتجميد جزئي للبناء في المستوطنات على مدى تسعة أشهر بأنه اقتراح (غير مسبوق)، صحيح أنها تعرف أن عدد المستوطنين قد ارتفع من 109 ألف مستوطن (بدون شرقي القدس) عند التوقيع على اتفاق أوسلو قبل 16 سنة، ليصل اليوم إلى أكثر من 300 ألف مستوطن، ولكنها ككل الزعماء الأمريكيين - بمن فيهم أوباما- تعاملوا مع المستوطنات مثل حالة الطقس: لطيف الحديث عنها، ولكن لا يمكن تغييرها، أما الزعماء العرب فهم كما وصفهم "نتنياهو" في جريدة "هآرتس" يوم 2 نوفمبر: عليهم أن يواصلوا كونهم أغبياء!!، فهو سيتقدم للكنيست خلال الأسابيع القادمة بقانون يلزم بتعويض اللاجئين اليهود من الدول العربية في إطار كل اتفاق سلمي مستقبلي. ولكن الساحة الفلسطينية الآن مشغولة بحدثين وهما للأسف أبعد ما يكونا عن جوهر الصراع العربي الصهيوني، الأول هو خطة "شاؤول موفاز" الرجل الثاني في حزب "كاديما" وهي الخطة التي أصبحت البديل الأوحد الذي يمكن لإسرائيل أن تقدمه حاليًا، وطبقًا لهذه الخطة فستقام خلال سنة دولة فلسطينية في حدود مؤقتة تمثل 60 في المائة من أراضي الضفة وقطاع غزة، وتضم أكثر من 99 % من الفلسطينيين في الضفة، وتقيم تواصلاً أرضيًا دون إخلاء للمستوطنات، وفي المرحلة الثانية تبحث الحدود الدائمة وباقي المواضيع الجوهرية عدا مشكلة اللاجئين التي سيتم طرحها لاحقا بتسوية أوضاعهم في الخارج من خلال آلية دولية. أما الحدث الثاني الذي يشغل الرأي العام فهي قنبلة الدخان التي ألقاها الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بإعلانه موعد الانتخابات الفلسطينية، وعن نيته استخدام (سلاح يوم الدين) ضد حماس (وهو للغرابة نفس المصطلح الذي استخدمته إسرائيل في وصفها سفينة السلاح القادمة من إيران والتي استولت عليها)، ثم إعلانه عدم رغبته في الترشح للرئاسة، وأخيرًا إعلان لجنة الانتخابات عدم قدرتها على إجرائها في الموعد المحدد، وهو السيناريو الذي رسمته حرفيا جريدة "هآرتس" يوم 9 نوفمبر، أي قبل الإعلان عن تأجيل الانتخابات بثلاثة أيام، حيث أكدت في افتتاحيتها أن ما قام به "عباس" سيؤدي إلى بقائه في منصبه "رئيسًا مؤقتًا" لزمن طويل إضافي حيث ستؤجل الانتخابات دون أن يتقرر لها موعد جديد، وهكذا لن تتمكن أي جهة من الادعاء بان ولايته غير شرعية، لأنه هو نفسه سيعلن عن نهاية ولايته الدستورية، وبقاءه سيكون مؤقتًا، ولكن إلى مالا نهاية. المستغرب بالفعل هو الهجوم الذي تتعرض له حماس لموقفها الرافض لورقة المصالحة المصرية بوضعها الحالي، بينما تتفهم إسرائيل مبررات رفض حماس، على اعتبار أنها تضمنت أمورًا تتعارض مع مبادئها، فقد أفاضت "هآرتس" يوم الأول من نوفمبر في تحليل اتفاق المصالحة، وعبرت عن ترحيبها به على اعتبار أنه يلغي حق المقاومة، ويرتب خضوع أجهزة الأمن لرئيس السلطة ( لم تذكر كلمة المقاومة أو إسرائيل في الوثيقة ولو مرة واحدة، وبينما تتحدث الورقة أن من يسلم معلومات للعدو يتهم بالخيانة العظمى، لم يرد من هو العدو المذكور)، وبالرغم من أن الوثيقة مفصلة جدًا بالنسبة لبناء الأجهزة الأمنية، ولكن ليس فيها أي موقف من سياسة الحكومة التي ستنشأ في أعقاب الانتخابات، ولا يوجد تعهد بأن تتمسك الحكومة الفلسطينية بحق العودة أو تقرر القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، كما لفتت الجريدة الانتباه إلى بند هام آخر لم ينل العلانية، والذي يعتبر أن "كل من يعيش على أرض السلطة من مواطنين وأجانب هم أيضًا أصحاب حق بالعيش بأمان دون فارق في العرق أو اللون والدين"، وهو بند مثير للاهتمام لأنه يعني أن مقاومة المستوطنين محظور أيضًا، وأن بوسعهم أن يتمتعوا بحماية فلسطينية إذا قرروا مواصلة السكن في أراضي فلسطين (كل هذا على لسان الجريدة). يا سادة نحن نملك العديد من البدائل التي يمكننا أن نتحرك بها كأفراد –بعيدًا عن الحكومات والأنظمة- تحدثت سابقًا عن تقرير "غولدستون" الذي يجب أن نستغله إعلاميًا بشكل فعال لأن سياق الأحداث ينذر بدفنه وطيه في صفحة النسيان، وأنا اليوم أذكركم بأننا نملك أيضًا قرارًا من محكمة العدل الدولية يدين جدار الفصل العنصري في فلسطين ويطالب بإيقافه، دعونا نستغل اهتمام العالم بإحياء الذكرى العشرين لسقوط حائط برلين، ونلفت انتباه الجميع إلى حائط الفصل الذي لم يسقط بعد. [email protected]