"السموأل" شاعر عربي يهودي جاهلي, عاش زمن امرئ القيس, ضرب به المثل في الوفاء, وكان له حصن منيع, ويذكر أن امرأ القيس كان يريد استرجاع ملك أبيه الضائع، وترك أسلحته ودروعه أمانة لدى السموأل. وحين جاء أعداء امرئ القيس إلى السموأل يسألونه أسلحة صاحبه أبى أن يخونه, وأغلق أبواب حصنه, وكان له ولد صغير خارج الحصن وقع بين أيدي الأعداء, فخيروا السموأل بين أن يعطيهم الأسلحة أو أن يذبحوا ابنه, فلم يخن صاحبه وقد ذبح ابنه أمام عينيه. وقفت متحيرًا أمام هذا الوفاء النادر من رجل لا يعرف الإسلام, وكيف ضحى بأعز ما يملك وفاءً لصاحبه, وإنفاذًا لعهده, ولو كان فيه هلكته. وأتعجب من صنيع بني جلدتنا وإخواننا في الدين والوطن, وهم ينقضون العهود مع إخوانهم من أجل مصلحة تراءت لهم, برغم العهود والمواثيق المعلنة, إذا بها تتبخر ويتحول الوفاء إلى بلاهة وسذاجة, والغدر والخيانة والنقض إلى حنكة وسياسة ودهاء, ونسمي الأمور بغير أسمائها. أمن أجل مقعد في برلمان يعلم الله هل يستمر أم لا, يضيع الوفاء وتنقض العهود, ويتلاعب بالأخلاق والمبادئ؟!! هل يستحق ذلك أن نشوه صورة إخواننا, ونتهمهم مرة بالعمالة والخيانة, ومرة بالزندقة والتشيع, بل وصل الأمر أن يتهم بعضنا بعضًا بأنه نصراني غير مسلم, هل هذا من الدين الذي نسعى لإقامته؟!! ولابد أن نضع هذا السؤال نصب أعيننا: لماذا اقتحمنا العمل السياسي, هل لإعلاء كلمة الله و تطبيق شريعته حقًا, أم لتحقيق أمجاد شخصية وزعامات وهمية واتخذنا من الدين مطية للوصول إلى ذلك؟!!. فمنذ بداية العملية السياسية بعد ثورة 25 يناير رصدنا مخالفات شرعية كثيرة – نعم لا تعكر صفو التجربة – لكن لابد أن نتعلم, وأن نمتاز عن غيرنا فسياستنا لها أخلاق, فشعارنا الوفاء. فنحن لا نعرف الضرب تحت الأحزمة. فنحن لا نعرف الغدر ونقض العهود. نحن لا نعرف مبدأ الغاية تبرر الوسيلة. نحن لا يمكن أن نتحالف مع الشيطان أو مع من يمثله لتحقيق مصالحنا الحزبية, ونغدر بعهودنا مع إخواننا. لقد مثلت تلك المثالب تشويها لصفاء التجربة, وأحدثت لبسًا عند عموم المصريين, وهم يرون تربيطات مريبة, وتشويهات متعمدة, لتحقيق مصالح شخصية, وهم يرون أهل الدين في أعلى المنازل, والناس لا تفرق بين الدين وأخلاق أتباعه, فاتقوا الله ولا تطعنوا الدين من حيث أردتم نصرته. فقد جاء في صحيح البخاري، أَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في أُسَارَى بَدْرٍ: "لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِىٍّ حَيًّا ثُمَّ كلمني في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ"، وذلك لأن المطعمَ بنَ عدي أجار النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة قبل الهجرة، فلم ينس ذلك الجميل ولم يجحد ذلك المعروف حتى مع المشرك، فكيف بالمسلم؟! وفَى النبي صلى الله عليه وسلم لصهره أبي العاص زوْج ابنتِه زينب، وهو أبو أمامة التي كان يَحملها في صلاته؛ حيثُ أطلقه بلا فداءٍ بعد بدْر لما عرف له من كفِّ يدِه ولسانه، فما سُمِعَ له صوتٌ في بدر، وما شُوهد له جولة، وما علم له موقف قطّ في مقاومة الدَّعوة، بعثتْ زينب في فدائه بقلادة قلَّدتها بها أمُّها خديجة يوم زفَافِها، فلمَّا رآها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رقَّ لها رِقَّةً شديدة، وفي مظهرٍ من مظاهر الرَّحْمة بابنتِه وتذكّر لصاحبة القلادة يَحمل في طيِّه مقصدًا دعويًّا، وهو تألّف أبي العاص على الإسلام، قال: ((إنْ رأيتُم أن تُطْلقوا لها أسيرَها وتردُّوا عليْها الَّذي لها)) فقالوا: نعم ونعمةُ عين. وراضوا على حبِّ الحبيبِ نفوسهمْ..... فكانَ لوجهِ اللهِ ذاكَ التقربُ وفي النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمِّه أبي طالب الذي ربَّاه حتَّى بلغ أشدَّه وأعانه على إبلاغ رسالة ربِّه، ومنعه من سُفهاء قومه، فلم يخلصوا إليْه بسوء في حياتِه، لمَّا حضرتْه الوفاة اهتزَّت مشاعر الوفاء في قلْب النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم فحرصَ كلَّ الحرصِ على نفعِه في إنقاذه إن الوفاء التزام نبيل من نفسٍ فاضلة، بسبب معروف أُسدِيَ إليها، أو تعهد قامت به، إن هذا الدين العظيم يعلمنا كيف ننشر هذه القيمةَ الرائعة، وكيف نتعامل مع أصحاب الفضل علينا. أليس من العيب أن يمر طالبٌ على أستاذه الذي علّمه؛ فلا يعيره اهتمامًا، ولا يُظهرًا له احترامًا، ولا يقوم له بواجب الوفاء، بل يجحده وينصب له العداء، لا يا معاشر الشباب، ليس هذا مِن أخلاقنا. إلى أخلاق القرآن يا شباب الإيمان، في سيرة وشمائلِ مَن خُلقه القرآن. ف َبِذِي الأَخْلاقِ قُدْنَا أُمَمًا وَتَحَدَّيْنَا بِهَا أَعْدَى الأَعَادِي عُدْ إِلَيْهَا رَافِعَ الرَّأْسِ وَقُلْ: هَذِهِ قَافِلَتِي وَالزَّادُ زَادِي إن داء المسلمين منهم؛ لا تلام العواصف حين تحطم شجرةً نخِرةً في أصولها، إنَّما اللَّوم على الشَّجرة النخرة نفسها. ما أحوجَنا اليوم إلى تلقِّي هذه الدروس العظيمة في الحفاظ على الودِّ وحسن العهد والعيش في ظلال: {وَلا تَنْسَوُا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]. مَنْ حَادَ عَنْ خُلُقِ النَّبِيِّ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ الغُرِّ لَيْسَ بِسَالِمِ [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]