متعة كبيرة أن تقرأ للكاتب الكبير "محمد يوسف عدس" "سقوط الأكاذيب" أحدث ما كتبه المؤلف فند فيه بعض الأفكار الخاطئة عن النظام الإسلامي في الحكم ومنها اتهامه بأنه حكومة دينية، ومنها أن الإسلام لا يحتوي على منظومة اقتصادية قابلة للتطبيق في العصر الحديث، ويوضح سبق الإسلام وتفوق شريعته على أشهر المنظومات القانونية في فرنسا وبريطانيا، والملفت للنظر في هذا الكتاب القيم أن مؤلفه استطاع أن يقدم زبده آراء كبار العلماء في الموضوعات التي تعرض لها مع إبحاره أيضًا على شاطئ واقعنا الحالي الشديد التعقيد. يقول أستاذنا محمد يوسف عدس "لست أزعم أن هجوم العلمانيين على الإسلام والإسلاميين كان غائبًا ثم حضر، ولا أنه كان معدومًا فوجد فقد كان حاضرًا دائمًا وموجودًا بصفة مستمرة.. وكان هناك دائمًا فريق من الكتاب ممن كرسوا جهودهم للنيل من الشريعة وتسفيه التجربة الإسلامية وتحقير تاريخ الإسلام ورموزه.. ولكنهم يسلكون مسلك المطمئن الواثق من تمكنه ومستقبله وهم يحتمون تحت مظلة حكم ديكتاتوري علماني ترسخت قوته وسلطانه حتى إنه بدأ ينفذ خططًا لتوريث السلطة إلى الابن بعد أن شاخ الديكتاتور الأب وتعاورته الأمراض وأصبح مشرفًا على الهلاك.. ولكن ثورة 25 يناير 2011م قلبت الأمور رأسًا على عقب، فقد سقط النظام.. وسقطت معه الحماية التي استظل بها العلمانيون ثلاثة عقود من الاستبداد والقهر والفساد في الأرض "ص122.. كما يفسر لنا لجوءهم إلى القوى الأجنبية حتى تنهض لنجدتهم ضد خصومهم السياسيين في الوطن.. الإسلاميون من ناحية فوجئوا بشراسة الهجوم العلماني وتعدد مصادره وأشكاله ونزول عدد كبير من الصحفيين والكتاب في المعارك الدعائية ضدهم كما فوجئوا بحجم الأكاذيب والافتراءات الموجهة إليهم شخصيًا لتشويه صورتهم لدى الجماهير وتشويه مواقفهم" ص123/ أن الانتقال من حالة الطمأنينة إلى حالة القلق خاصة من تاريخ 12/8/2012 تاريخ بداية الحكم المدني للبلاد أفقد ما يسمى بالتيارات المخالفة للتيار الإسلامي القدرة على ضبط الأعصاب فنراهم في حالة هياج مستمر وشراسة زائدة في مجارية كل ما هو إسلامي. المنصفون من علماء الغرب يتحدثون عن الأصول الإسلامية المجهولة في القانون الإنجليزية ويؤكد (جون مكدسي) عميد كلية الحقوق بجامعة ليولا السابق أن هناك عناصر لا يمكن إنكار نسبتها إلي الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية ولكن يكره الإنجليز أن يعترفوا بهذه الحقيقة التي يؤكدها (جون مكدس) ويضيف أيضًا أن الملك هنري الثاني اقتبس أسلوب التعليم القانوني من المدارس الإسلامية الملحقة بالمساجد ومصدرها الوحيد خلال القرن 12 الميلادي جزيرة سيسلى الإيطالية (صقلية) وقد أكدت الدكتورة ذائعة الصيت الألمانية زيجرد هونكه هذا الكلام في كتابها (شمس الله تشرق على الغرب) أو (شمس العرب تشرق على الغرب) في ترجمة أخرى وكان كتابها (الله ليس كذلك) ضربة قاصمه للفكر الاستشراقي المنحرف وكذلك رواد الفكر العلماني المتطرف. لم تقتصر عظمة الفكر الإسلامي على أنه أكثر تقدمًا من النظم العملية في التطبيق قرونًا من الزمان. إن الجدال العلماني العقيم ضد النظام الإسلامي هو نوع من الجنون يرتكبه العلمانيون المتطرفون الذين قطعوا بذور الاتصال بثقافتهم الإسلامية الأصلية. علمانيونا يسخرون من الشريعة الإسلامية! المنصفون من علماء الغرب أدركوا عظمة الشريعة الإسلامية. وعن مصدر الاضطراب والشقاء في العالم يقول أستاذنا محمد يوسف عدس: "أليس من عجائب هذا الزمن أن تكون أمريكا – وهي أغني دولة في العالم – أكثرها مديونية ؟! لقد قاربت ديونها على خمسة عشر تريليون دولار! ويقف العالم مذهولًا أمام هذه الأرقام الفلكية من الديون ولكنه لا يسأل السؤال الوحيد المنطقي والمشروع إذا كان العالم كله مدينًا.. فمن هو الدائن؟ من هو مالك كل هذه الأموال الهائلة التي ويسخر بها البشر... في كل ركن من أركان هذا الكوكب الأرضي؟! وهل هي أموال حقيقية؟! هل هي نقود حقيقية؟! أم هي وهم كوني رهيب لا يجرؤ أحد حتى على الاستفسار عنه وعن صاحبه؟!. إن العالم يتجه إلى وضع يتأبد فيه الغنى في قلة قليلة من الناس ويتأبد الفقر والعبودية في الغالبية العظمي منهم، وهذا ما حذر منه القرآن بشده في آيات يقرأها المسلمون كل يوم وقد لا يلقون لها بالًا!. وحذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أحاديث قاطعة الدلالة، إن المحور المالي لنظام الاقتصاد الإسلامي يرتكز على قاعدة حاكمة لا يمكن التغاضي عنها أبدًا، وهي (ألا يكون المال دولة بين الأغنياء) فبهذه القاعدة أرسى الإسلام الحد الفاصل بين نظام الاقتصاد الإسلامي وبين نظامين فاسدين: الرأسمالي والشيوعي وقد بين هذا بكل الوضوح والدقة الأستاذ الكبير (روجيه جارودي) في كتابه الرائع (حفارو القبور)، وهذا ما يفسر لنا سر العداء الشرس الذي تكنه البنوك العالمية للاقتصاد الإسلامي ويتابعهم في هذا العداء طائفة من المسلمين عن جهل أو كبرياء وانظر إلى مندوب صندوق النقد الدولي في مصر (الدكتور الفقى)، وهو يسخر من كلمة الاقتصاد الإسلامي ويكاد يوبخ كل من يتكلم عن الصكوك الإسلامية التي تعاملت بها بعض الدول الأوروبية والعربية وحققت نجاحًا كبيرًا كما قال العلامة (حسين حامد حسان) الذي قرأ دستور مصر على الأمة كلمة كلمة والذي سخر منه الإعلام وهو علم من أعلام الأمة ماذا نقول للهلافيت!؟ ومن حرية الرأي ينقل أستاذنا يوسف عدس عن العلامة الطاهر بن عاشور قوله: "إن الدولة الإسلامية في بدايتها ولمدة ثلاثة قرون على الأقل لم تسلك أبدًا إرغام الناس على تبني اعتقادات فكرية ومذهبية معينة إلا ما تثبته الحجة والمناظرة ويكون اختيارًا حرًا ولا إكراه فيه إلى أن اختلطت المصالح السياسية بالقضايا الفكرية في مرحلة متأخرة أختلت فيها معايير الحكمة عن بعض الحكام" ص22. وينقل أيضاً عن العلامة يوسف القرضاوي قوله: "إن الجانب التي تقف العلمانية ضده بصراحة وشراسة هو الشريعة قد يتساهل بعضهم في تشريعات الأسرة أما العلمانية الأصلية الشاملة فلا تسمح للإسلام بأي مساحة في التشريع. فالدين مكانة عندها في الضمير والمسجد فحسب..) ص142. والكلام مهدى على الجملة لكل من لا يحترم عقيدة الأمة وهويتها. إن صراخ القوى المعادية للتيار الإسلامي أدركوا أن الممارسة الديمقراطية الصحيحة يمكن أن تأتي بالإسلاميين لحكم مصر فانقلبوا على الديمقراطية وشرعوا في شن حرب شرسة على الإسلاميين وعلى الشريعة وعلى الرموز الإسلامية والتاريخ الإسلامي أنهم في حالة استنفار عام كأنهم يخوضون معركة حياة أو موت ولا يمكن فهم هذا الأمر إلا في ضوء تأكدهم من عدم فوزهم عبر صناديق الاقتراع. إن كتاب "سقوط الأكاذيب" شحنه المؤلف بأشواق أسيادنا كبار العلماء يوسف القرضاوي، والطاهر بن عاشور، ومحمد الغزالي، نعم متعة كبيرة أن تقرأ للأستاذ الكبير محمد يوسف عدس وتشعر به وهو يهز عقلك ويثير وجدانك ليحسك على فحص معرفتك.