هات كل مرادفات القبح فى كل اللغات وانعت بها إعلامنا، قل عنه كل شىء بأى لفظ فهو أهل لذلك، إنه لسان مسيلمة، وقلم الشيطان، وقد بدأت قبل أسابيع سلسلة مقالات عن هذا الإعلام، أذكر القارىء بها، أولها كان مقالى المعنون ب "إعلام العهر والدعارة"، إذ رأيت فيه صورة من مومسات الوسعة ووش البركة حين كان إذا اقترب منهن رجل أمن يصرخن ب "الصوت الحيانى" ويدعين عليه أنه حاول التحرش بهن، وأنهم "أشرف من الشرف" رغم أنهم كن حاملات لرخصة رسمية بممارسة الدعارة والبغاء، لكن لأنهن عاهرات داعرات كان هذا دأبهن مع أى "شريف"، يجرسونه ويفضحونه كذبا وافتراءً بأسلوب "الصوت الحيانى". ثم كتبت مقال "إعلام حمادة" عقب انشغال الإعلام بما تعرض له بلطجى ومسجل خطر اسمه "حمادة" له عشرات الفيديوهات وهو يحرق ويدمر ويقود مظاهرات جماعة "آسفين ياريس"، ثم كتبت "إعلام سالومى" تلك العاهرة اليهودية التى راودها هيرودوس عن نفسها فطلبت منه راس نبى الله يحيى عليه السلام ففعل، ثم كتبت أخيرا "إعلام حكماء صهيون"، وأشرت فيه إلى البروتوكول رقم 19 من بروتوكولات حكماء صهيون، الذى جاء فيه: "استخدمنا الصحافة والخطابة العامة، وكتب التاريخ المدرسية الممحصة بمهارة، وأوحينا إليهم بفكرة أن القتيل السياسى "شهيد"، لأنه مات من أجل فكرة سعادة الآخرين، ومثل هذا الإعلان يضاعف عدد المتمردين". ومن حيث انتهينا نواصل، حيث أن لقب "شهيد" أصبح رخيصا ومتاحا لكل من هب ودب، فالذى يلقى مصرعه وهو ممسكا بالمولوتوف ومسدسات الخرطوش، وتنبعث من جسده رائحة البارود والنفط، يقول عنه الإعلام أنه "شهيد"، ثم يطالبون بحقوقه، وهل هناك حقوق دنيوية ينتظرها الإنسان بعد كونه شهيدا؟، إن الشهادة تجعل صاحبها فى مرتبة الصديقين والأنبياء، فهل يكون ثمة حقوق أو مستحقات نطالب بها لمن نال هذه المنزلة العالية السامية؟.. مينا دانيال شهيد، وجيكا وسيكا شهداء، ألا يكفيهم أنهم شهداء فنفرح ونقيم الأعراس والاحتفالات لهم؟ الإعلام منحهم المكافأة العظمى التى يتمناها أى إنسان وهى "الشهادة"، فلماذا بعد أن نال هذه المنزلة يطالبون له بحقوقه؟ وأيه حقوق ممكن أن تصل لمن أصبح بين يدى الله؟ وهل حقوقه أن يقوم آخرون بحرق وتخريب مؤسسات الدولة؟ أم بقتل وإصابة رجال الأمن وإحراق سياراتهم وسط حفلات صاخبة ينقلها الإعلام على الهواء ويباركها؟. إذن .. بعد إعلام العهر، وإعلام حمادة، وإعلام سالومى، وإعلام حكماء صهيون، هناك "إعلام البارود والمولوتوف"، وهو أن تسخر بعض الفضائيات كل إمكانياتها لنقل مشاهد الحرق والتخريب على الهواء مباشرة، تسخر كل طاقاتها لبث سلوكيات مجموعة من المجرمين والبلطجية، وتنعتهم بالثوار الأحرار، وتأتى بمن يقول عنهم أنهم "أطهار أنقياء"، يمسكون بالخرطوش وبالسنج والمطاوى، ورائحة البنزين تفوح منهم وتكاد تخرج من الشاشات، ومع ذلك يقال عنهم "أطهار"، فأى طهر يتصف به هؤلاء وجلهم إما مسجلون خطر وأصحاب سوابق، أو صبية مشردون دون السادسة عشر، وجلهم سمات الإجرام على وجوههم، وجلهم يعملون لقاء أجر يقبضونه من قوى خبيثة لا تريد لهذه البلد أن تقوم. أكاد أشتعل غضبا، وأنا أرى تلك الفضائيات تستضيف أسرة كل من يسقط قتيلا من هؤلاء المجرمون، ويتكلمون عنه باعتباره "شهيد" فتح الفتوحات، وصنع البطولات، ورفع رايات النصر، وتستضيف بجانب أسرته أصدقائه وجيرانه، وكل من عرفه او تحدث معه، أو التقاه على مقهى ولعب معه "عشرة طاولة"، لينتهى الأمر بعد اللقاء وقد صنعنا بطلا مغوارا، شارك فى حرق سيارة شرطة، أو إلقاء مولوتوف داخل أسوار القصر الجمهورى. وفى المقابلن يسقط كل يوم من رجال الشرطة، ضباطا وأفرادا، يسقطون (شهداء بحق) لأنهم قتلوا وهم يؤدون واجبهم فى حماية ممتلكات الشعب، وفى الدفاع عن مؤسسات الدولة، ولا نجد تلك الفضائيات (التى لا تبث غير العهر) تستضيف أحدا من أسر هؤلاء، وهم الشهداء بحق، فأى إعلام هذا الذى يبدو وكأنه المسيح الدجال، ذلك الأعور الذى لا يرى من الأشياء غير جانبا واحدا فقط؟!. أى إعلام هذا الذى أخذ الكذب منهجا، ونشر الشائعات المغرضة أسلوب حياة، وتبنى ثقافة الهدم بدلا من البناء، فنراه يلهث وراء الخراب كطائر البوم ليحل فوقه وينشر نعيقه، ويتعامى عن كل عمار يتم أو بناء يعلو؟، بل أى إعلام هذا الذى يزعرد للفوضى ويهلل لها، فى حين يسيطر عليه العبوس والغيام إذا ما حل بالبلاد استقرار وهدوء؟. تمنيت ولو مرة أن أرى هذه الأبواق تنقل لنا صورا إيجابية لتعيد للناس الثقة فى الدولة، والأمل فى الحياة، وتمنيت لو أنها أنفقت ولو عشر ما تنفقه من وقت ومال فى تسليط أضوائها على ما يجب أن يلتف الشعب حوله ويتوحد، وهو العمل ثم العمل، وأن يستضيفوا بدلا من "الثورجيين بالأجر" يستضيفوا الذين انقطع رزقهم بسبب هؤلاء الثورجيون بالأجر، أو الذين أغلقت مصانعهم بسبب شيوع الفوضى، أو الذين على وشك الموت جوعا بسبب انغلاق أبواب رزقهم من جراء أعمال العنف التى يتبناها هذا الإعلام .. إعلام المولوتوف. مئات من المصانع قد أغلقت أبوابها، وتشرد العاملون بها، ومئات من الشركات قد أشهرت إفلاسها، وإعلامنا منشغل بتلميع البلاك بلوك، وحملة المولوتوف والخرطوش، ويضفى عليهم صفات البطولة والثورية والزعامة، ليصنع منهم نجوما يقتدى بهم الآخرون، كجزء من مخطط يهدف إلى تغيير تركيبة المجتمع، من مجتمع مسالم غير معتاد على العنف، إلى مجتمع يجعل من العنف منهج حياة، بحيث إذا أراد أى شىء لا يكتفى بالمطالبة به، وإذا رفض شيئا لا يكتفى بمجرد التنديد به، بل يرفع السلاح وينزل للشارع، فيقطع الطرق، ويعطل المواصلات، ويقتحم المؤسسات، ويغلق الدواوين، ويحرق ويدمر ويخرب، وإذا تعرض له فرد أمن يصبح الأمن دائما هو المعتدى. إعلام المولوتوف يهدف إلى تكريس العنف، بحيث يكون هو الأصل لمن له أية مطالب من أى نوع، فالذى يريد أن يزيد مرتبه يصطحب مجموعة معه، ويتجه نحو أى مصلحة حكومية أو مرفق عام، فيرمون بالمولوتوف ويحرقون ويخربون، ومن وراء ظهورهم فضائيات الإعلام الشيطانى، يستضيفهم ويسلط عليهم الأضواء ويحقق لهم حماية وحصانة، فلا يطبق عليه قانون، ولا يخضع لقرارات نيابة، أو أحكام قضاء، لأنه (من الثوار). ممنوع على هذه الكاميرات أن تلاحق الشباب الذى يمسك بالمقشات ويقوم بتنظيف الشوارع ورفع القمامة، وممنوع على هذا الإعلام أن يتعرض للشباب المتطوع فى الأعمال الخيرية مهما كانت بسيطة، حتى ولو كان هذا العمل مجرد تبرع بالدم، وممنوع على هذا الإعلام أن يشارك الفقراء والمحتاجين آلامهم، ويسلط الضوء على مشاكلهم ليتعطف عليهم القادرون بالمساعدة، ممنوع عليهم تسليط كاميراتهم على الأطفال المصابون بالامراض الخبيثة ولايجدون ثمن ملعقة دواء، أو الأطفال الذين ينتشرون فى الشوارع بلا مأوى ولا أسرة ويأكلون من القمامة، وممنوع عليه زيارة ملاجىء الايتام، ومصحات الفقراء، سكان المقابر، ممنوع على إعلام المولوتوف أن يسلط أضواء كاميراته خارج ميادين الحرق والتخريب، حيث القتل والدماء. ممنوع على إعلام المولوتوف أن يلتقى غير البلطجية (الأطهار)، والمخربون (الثوار)، والقتلة (الأنقياء)، وأفراد أسر من يسقط منهم قتيلا فى حالة تلبس بالجريمة، لأن من مات وبيده خرطوشا أو مولوتوفا أو سنجة أو سيفا، فهو شهيد، ومن مات وجسده تفوح منه رائحة البنزين والبارود فهو شهيد، ومن مات هو فى ميدان حرب الغرض منها إحراق أو تخريب مرفق عام وكانت نيته منصرفة نحو فعل أيا من هذا أو ذاك فهو شهيد، يستحق أن تخرج من أجله تظاهرات تطالب بالقصاص له، فيسقط فيها قتلى آخرون، ليتكرر السيناريو، وتتسع دائرته، حتى نجد أنفسنا بعد فترة أمام دولة "الشهداء" من الذين ماتوا، والمطالبين بالقصاص لهم من الذين ينتظرون دورهم فى الشهادة. إعلام البارود والمولوتوف، ينثر بودرة البارود فى أجواء البلاد، ويرش بخار النفط فى سمائها، لإضرام نار لا تنطفىء حتى تتلاشى من الوجود دولة كان اسمها مصر. [email protected]