ربما لم يلفت الخبر الصغير المنشور فى صفحة الحوادث انتباه أحد، وربما مررتم عليه مرور الكرام ضمن أخبار صفحات الجريمة والحوادث والقضايا، واعتبرتم أنه يخص جريمة قتل عادية، كهذه الجرائم التى تقع كل يوم، وننسى تفاصيلها، ولا نستوعب العبر منها، بعد أن نغلق صفحات الجريدة، ونستغرق فى تفاصيل الحياة اليومية فى مصر.. وما أقساها هذه الأيام. يقول الخبر: «مجند يقتل لواء شرطة بالمعاش»، وفى التفاصيل: «شهدت مدينة (…..) جريمة قتل بشعة عندما قام مجند بقطاع الأمن المركزى بالتخلص من لواء شرطة ب(المعاش) كان يعمل فى خدمته، وذلك عقابًا له على معاتبته بسرقة مبلغ مالي». وطبعاً بعد التفاصيل المتبعة عند أصدقائنا محررى أقسام الحوادث والقضايا من تلقى اللواء «فلان» لمعلومات وتكليف العميد «علان» وبقيادة العقيد «ترتان» قام فريق تحت إشراف المقدم…… إلى آخر هذه الديباجة المتعارف عليها تم نشر اسم لواء الشرطة بالمعاش (القتيل)، ومجند الأمن المركزى (القاتل) والبالغ من العمر (20) عامًا،.. وموضحًا أن الشاب القاتل كان يعمل على خدمة سيادة اللواء (المتقاعد) فى منزله، بتعليمات من النقيب (…..) نجل سيادة اللواء القتيل، الذى يعد القائد العسكرى المباشر للمجند القاتل ذى العشرين ربيعًا، وأكد الخبر أن اللواء (القتيل) اكتشف اختفاء مبلغ من المال، واتهم المجند (القاتل) بسرقته، وهدده بإبلاغ سيادة النقيب إذا لم يقم بإرجاع المبلغ، فقام المجند بقتله بسكين المطبخ. رحم الله سيادة اللواء، وألهم ذويه الصبر والسلوان، وألهم الصبر أيضًا لأهل المجند القاتل الذين سيفقدون ابنًا عزيزًا خلف القضبان. ولكن هل أعادت وزارة الداخلية نظام «عسكرى المراسلة»؟ وما حكاية أن يرسل «الباشا» الصغير، مجندًا تحت إمرته لخدمة «الباشا» المتقاعد - رحمة الله عليه - خلال مدة تجنيده الإلزامية، وإلحاقه بقوة الأمن المركزي؟ أعتقد أن العديد من الحوادث سبق ووقعت بين بعض ضباط الشرطة وبين مجندى الأمن المركزي، وأغلبهم من محدودى التعليم، لكنهم أبدًا غير محدودى «الكرامة»، وإذا كانوا يطيعون أوامر ضباطهم حتى تمر فترة «تجنيدهم» على خير، فإن ذلك لا يعنى إهدار كرامتهم أو «استعبادهم» لخدمة الآل والأصحاب فى بيوتهم الشريفة! يا سادة جنود «الأمن المركزي» هم أبناؤنا وإخوتنا وإن ضننا عليهم بالتعليم المناسب والرعاية التى يستحقونها، كما أن انتماءهم إلى أقاصى الصعيد، ونجوع الريف لا يجعلهم أقل درجة من أى من أبنائنا وإخوتنا أيضا «الباشوات» أصحاب النجوم اللامعة، فجميعهم مصريون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. وإصلاح أوضاعهم العسكرية والمعيشية هو جزء أساسى ورئيسى فى تطوير وإصلاح وإعادة هيكلة المنظومة الشرطية كلها، التى بح صوتنا وأصوات غيرنا، ونحن ننادى بضرورة إصلاحها، وما قضية «سخرة المجندين» التى تنظرها المحاكم حالياً والمتهم فيها وزير داخلية سابق وكبار معاونيه ببعيدة، وما بها من تفاصيل «استعباد» مئات من أبنائنا جنود الأمن المركزى يندى لها الجبين. لا أريد إعادة وتكرار عشرات القصص التى تدور حول العلاقة بين ضباط وجنود الأمن المركزي، ولكن أصبح من الضرورى أن يشعر كل مصرى مهما كانت ظروفه التعليمية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أنه مواطن كامل المواطنة فى دولة تحفظ كرامته وإنسانيته وحقوقه. أما سيادة اللواء - رحمه الله – وأمثاله من كبار ضباط الشرطة أو حتى الجيش فلا مانع أن تستمر رعاية المؤسسات العسكرية لهم وهم الذين أفنوا حياتهم فى خدمتها، ولكن بقوانين وقواعد واضحة، ومن خلال صناديق الزمالة والرعاية ونوادى الضباط وغيرها من الجهات التى يجب أن تطور أفكارها وعملها لتوفر الرعاية الاجتماعية والصحية الكاملة لهم، وعلى مدار 24 ساعة حفظاً لتاريخهم وكرامتهم وعطائهم دون الحاجة لإعادة نظام «عسكرى المراسلة» مرة أخرى! وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66