ظهر مصطلح "سرقة الثورة" لأول مرة في معرض مواجهة التيارات العلمانية لحزب النور السلفي بعد تكوينه مباشرة "لمعايرته" بموقف كوادره السلفية من نظام حسني مبارك وإحجامها عن الخروج في مظاهرات إسقاطه، واتسع المصطلح ليشمل الإسلاميين عمومًا بمن فيهم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، وترويجًا للمصطلح الجديد وحتى تعتاده آذننا فقد شنت فضائيات الفلول والعملاء حملة تكرار للمصطلح حتى بدأت أذهاننا في استعمال التعبير الجديد بلا تفكير وكأنه قضية مسلم بها. وإن صح فهمي للمصطلح السياسي الجديد فإنه يعني في نظر هؤلاء أن بعض الشباب الجالسين على مقهى "ليالي الحلمية" بالقاهرة قد اكتشفوا أثناء تدخين الشيشة أن حسني مبارك "حرامي"، وأن مصر دولة غير ديمقراطية فقرر هؤلاء الشباب القيام بتلك الثورة، وبعد أن قاموا بها وبدأت الانتخابات لتشكيل المؤسسات الدستورية وانتخب الشعب الإسلاميين ليتصدروا هم المشهد السياسي دون الشباب الذين يدخنون الشيشة على قهوة "ليالي الحلمية"، ويتشابه هذا التصور مع عبارة شهيرة طالما كانت تبث مقدمة لبرنامج شاهد على العصر عندما يقول "حسين الشافعي" لأحمد منصور "لما تقوم بثورة ابقى اعمل كده"، وهى جميعًا أفكار تطوف في عقول أنصاف المثقفين ومثقفي الحظائر تفيد أن الثورة حركة انقلابية يمسك بزمام الحكم بعدها من قاموا بها وهؤلاء لهم الحق في ارتكاب كل ما يتراءى لهم للحفاظ على ملكيتهم للثورة بدءًا من قتل الخصوم وانتهاء بتصفية الزملاء. والشيء البديهي الذي ربما لا يحتاج إلى جهد لتجليته أن الشعب المصري بكل أطيافه تقريبًا، قد شارك في الثورة وأنه لولا جمهرة الآخرين من المشاركين فيها لسحل حسني مبارك ثلة الأولين الذين افتتحوا أعمالها فللآخرين فضل النصرة وللأولين فضل الاستهلال وفي كل خير. غير أن التأمل في مصطلح سرقة الثورة يقودنا إلى الغرض من بث هكذا أفكار، فالقائمون على الثورة المضادة تنظيرًا وتمويلًا وعلى ما يبدو يهدفون إلى تصدير بعض الشباب من هؤلاء الذين صنعتهم أيدي أمن الدولة أعضاء في أحزاب معارضة حسني مبارك وأغدقت عليهم نعمًا وأيدٍ لم ينل نصفها كوادر الحزب الوطني أنفسهم فتقدمهم اليوم لنا ثوارًا أبرارًا ومن آبائهم وذرياتهم بل ولم تبخل عليهم بألقاب من نوع قادة الثورة وشباب الثورة مستغلة بعض مقاطع الفيديو مجهولة التاريخ تم التقاطها لهم في ميدان التحرير في الأيام الأخيرة للثورة وعلى سبيل الاحتياط، وبعضهم قد التقطت له الصور في الأيام الأولى وليس مقطعًا أكثر نقاوة وأهدأ في الالتقاط من ذلك الذي التقط لأحدهم في اليوم الأول وكأن ثمة من قال "مشهد القبض على مؤسس الصفحة أكشن أول مرة " وتبدو الصورة فيه ثابتة لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا ولا اهتزازًا ولا ثورة . إن هذا العبث الفكري والضلال السياسي لن يفيد إلا في خداع بعض المواطنين ممن اعتادوا على تكرار عبارات الإفك التي يستمعون اليها في التليفزيون أثناء تناولهم طعام العشاء بعد يوم عمل شاق وأغلب هؤلاء لا يأتون الصناديق إلا وهم كسالى ويؤثر في رأيهم آخر من يودعهم على أبواب اللجان قبل أن يلجوا إليها إن حدث وأتوها. ولعله من نافلة القول وظل الفهم أن الشعب المصري إنما قام بثورته مطالبًا بهدفها الأول وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة للشعب فيها الكلمة العليا عندما يختار ممثليه بكامل النزاهة والشفافية وتحت سمع وبصر القضاء ومنظمات الرقابة الدولية، وبهذا يضمن الشعب حكومة نزيهة مهددة دائمًا بشبح الإقالة كلما رأى الشعب عدم تكرار انتخاب مكوناتها لتقصير أو خطأ فيضمن بالقطع نهضة وازدهارًا تعلو على الشعارات الأشهر عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، لأنه هنا الحكم العدل والقادر على إنفاذ حكمه وقضائه فيمن اختارهم بإراداته. سوف تتوقف ماكينة المصطلحات والأفكار الخبيثة بعد أربعة أشهر عندما يكتمل شكل الأمة المصرية بسلطاتها الثلاث التي تحد إحداهم فيها الأخرى طبقًا للدستور ويوم ينادي المنادي لترفع في برلمان مصر أيمان النواب المنتخبين من الشعب على العمل لمصلحته وابتغاء نهضته ورقيه، ويومئذ نقول للمجني عليهم زورًا في قضية سرقة الثورة اكتبوا مذكراتكم ثم قوموا ببيع صفحاتها لبائعي البطاطا والفلافل فإن الشعب قد اختار للثورة قادة يثق في دينهم وأمانتهم وخواتيم أعمالهم فإن أذاتكم اختيارات الشعب فأقيموا دعوى قسمة الثورة وخذوا أنصبتكم وانصرفوا. [email protected]