تعتبر جراحة المناظير من المجالات التى فرضت نفسها بشكل مذهل على الممارسة الجراحية فى وقت قصير, ففى قرابة ثلاثة عقود فقط, انتشرت جراحة المناظير جغرافيا وتطبيقيا بشكل واسع وعميق , كما تطورت هى نفسها بشكل مبهر لتظهر تطبيقات جراحية متقدمة جدا لها فى مدة قصيرة جدا. والحقيقة انه يمكن ان تجد تطابقا بين التطور المذهل المتلاحق فى تكنولوجيا الاتصالات والحاسبات وبين مايحدث من تطور فى جراحة المناظير. وقبل أن استطرد فى الحديث دعونى اذكر بعض مميزات جراحة المناظير , فبدلا من جرح كبير يعانى منه المريض مدة طويلة وقد يصحبه مضاعافات عاجلة او آجلة, تتم جراحة المناظير من خلال جروح صغيرة جدا لاتمثل للمريض اى مشكلة بعد العملية. وعلى العكس من المتوقع فإن مجال الرؤية الجراحية والسماحية بالتدخل الجراحى اكبر بكثير من خلال تلك الجروح الصغيرة فى جراحة المناظير عنها من خلال الجرح الكبير للجراحة التقليدية. كما ان استخدام جراحة المناظير فى التشخيص لكثير من الحالات قد يوفر الوقت الذى احيانا يكون ثمينا جدا لحياة المريض, ويمكن من علاج حالات كثيرة دون اللجوء الى اجراءات اكثر تعقيدا. كما ان هناك عائد على الاقتصاد القومى من انتشار جراحة المناظير, فمدة الاقامة بالمستشفيات للمرضى سوف تقل كما ان المرضى بعد عمليات جراحة المناظير يعودون لممارسة حياتهم الطبيعية والعودة الى مزاولة اعمالهم فى مدة اقل بكثير من الجراحة التقليدية. ولكن ماهو واقع جراحة المناظير فى مصر؟. والحقيقة انه واقع لايرضى اى مصرى غيور , فجراحة المناظير لم تنتشر بمصر بشكل مهنى او تطبيقى بما يتناسب ومكانة مصر . فبينما تجد الجراحين المصريين هم من افضل جراحى المناظير خارج مصر, فإنه للاسف الشديد كثير من الجراحين داخل مصر لايمارسون جراحة المناظير. كما ان التطبيقات العملية لجراحة المناظير مازالت محدودة ومتواضعة جدا حتى فى المستشفيات الجامعية والتعليمية. وكثير ممن تناقشت معهم حول الاسباب وراء عدم انتشار جراحة المناظير بمصر بما يتماشى وانتشارها عالميا , وبما يتناسب مع مكانة مصر , ومهارة الجراحين المصريين التى يشهد بها كل من تعامل معهم. فاتفق معظمهم بان السبب الرئيسى هو اقتصادى فى المقام الاول, حيث انها جراحة تحتاج الى اجهزة والات ذات كلفة عالية لايتحملها معظم المستشفيات فضلا عن المريض نفسه. والحقيقة انه قد يكون ظاهريا سبب وجيه ولكننى لاأتفق معه, وارى ان جوهر القضية هو اعقد من ذلك بكثير. والسبب بسيط جدا فقد بدأت مقالتى بتشبيه التطور فى جراحة المناظير بنظيره فى وسائل الاتصالات والحاسبات, فلماذا لم يكن السبب الاقتصادى مانعا بان يكون فى كل بيت مصرى موبيلات بعدد افراد الاسرة ويتم تحديث الموبيلات كلما جد جديد والامر مماثل للحاسبات والآى باد وماشابه من اجهزة , وهذا ليس محصورا فى فئة اجتماعية معينة ولكنها ظاهرة اجتماعية منتشرة بين مختلف طبقات المجتمع بدرجات متفاوتة. كما ان المستشفيلت الجامعية والتعليمية التى يتوفر بها الاجهزة والالات اللازمة لجراحة المناظير, لماذا لايتم ممارسة جراحة المناظير بها على نطاق واسع وتطبيقات اشمل, رغم توفر الامكانيات؟! والحقيقة اننى اعتقد ان من الاسباب الرئيسية هو ماأصاب الشخصية المصرية من إحباط نتيجة التراكمات المتلاحقة من الانظمة الفاشلة التى كانت تدير البلاد , وهو ان المصرى عموما اصبح متحمس لخلق البيئة المبدعة ولكنه فقط يبدع عند توفر البيئة المناسبة . ولذلك اى مجال علمى جديد يحتاج الى ايجاد بيئة جديدة للابداع فلاتجد العزيمة الكافية عند معظم المصريين لايجاد هذه البيئة ثم الانطلاق فى الابداع ولكنه فقط ينطلق فى الابداع بعد توفر البيئة المناسبة كما ذكرت سالفا. كما اننا اذا تكلمنا من الناحية الاقتصادية , ورغم ان نصيب وزارة الصحة من الميزانية العامة للدولة هزيل جدا, ولكن من المؤكد ان هناك سوء توزيع لهذه الميزانية وان جزء لابأس به يهدر فى أمور ليست بالضرورية واذا اعيد ترتيب الاولويات فى توزيع بنود الميزانية فمما لاشك فيه يمكن توفير الحد الادنى لجعل جراحة المناظير على خريطة العمل الجراحى بالمستشفيات بشكل منتظم . وللحديث بقية؛ أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]