منذ نجاح الثورة المصرية العظيمة والمراقب للساحة المصرية، يستطيع أن يدرك أن المشاكل تتفاقم عليها، بل تتوالد وتتكاثر، وكلما انتهت مشكلة ظهرت أخرى، وذلك حتى يومنا هذا. وإحداث المشاكل وتصديرها صناعة من السهولة بمكان بحيث يستطيع أن يقوم بها الكثير من الناس فى مصر، أما صناعة الحلول فهى من الصناعات الثقيلة التى لا يحسنها أى أحد، وعلى ذلك فهناك فرق كبير بين أن يظهر الإنسان فى موقف معين، ويقتصر دوره على إحداث المشاكل، فيصدِّر للآخرين مع هذا الظهور مشكلة، وبين أن يظهر فى موقف آخر، ويكون دوره هو الحل لمشاكل الآخرين، ما أسهل الدور الأول، إذ يستطيع أن يقوم به كل أحد، وهو أن يظهر فى كل عمل عيبا، وأن يقدم لكل شيء نقدا، وأن يوضح فى كل عمل نقصا، وأن يظهر فى كل جسد عورة، ما أسهل على الإنسان أن يقول للآخر فى الحديث، عند البيان أنك قد أطلت، وعند الإجمال أنك قد قصرت، وعند التقديم ليتك قد أخرت، وعند التأخير ليتك قد قدمت، وعند الرفع ليتك قد خفضت، وعند الخفض ليتك قد رفعت، وعند الإحجام ليتك قد أقدمت، وعند الإقدام ليتك قد أحجمت، وهذا ما يقوم به أعداء التيار الإسلامى اليوم بل وأعداء الديمقراطية الحقيقية التى أتت بالإسلاميين إلى سدة الحكم، والحال التى تمر بها مصر اليوم تقتضى إنهاء هذا الدور، رغم أنه قد ينطوى ذلك كله على شيء من الصحة لأن العيوب من لوازم البشر، والنقص لا يستطيع أن يترفع عليه أحد، وصدق من يقول : تعيِّرنى بالنقص والنقص شامل ومن ذا الذى يرقى الكمال فيكمل أما الدور الأصعب على النفس، هو أن يوطن الإنسان نفسه على ألا يكون مشكلة الآخرين، بل ليكون الحل لمشاكلهم، فيسخر نفسه لقضاء الحاجات وسد الثغرات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، أن يوطن نفسه على أن يقدم الأمان لكل خائف، والطعام لكل جائع، وأن يكون الدفاع لكل مظلوم، والبرء لكل مكلوم، والفرج لكل مهموم، يجند نفسه لكل قضية، ويقدم نفسه لكل ثغرة، ويفصح عن نفسه وقت الشدة، وويقول ها أنا ذا عند الحاجة، وينطبق عليه قول القائل : إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد وهذا هو الدور الذى تحتاجه مصر اليوم من كل مصرى مخلص، ومن كل وطنى مبدع، ومن كل معارض منصف، أن يكون حلا لما يظهر من مشاكل، لا أن يكون بنفسه هو المشكلة، كما يحدث من أعداء الوطن فى مصر اليوم، ومن أروع الأمثلة التى يمكن أن نضربها فى ذلك، من جيل الصحابة الأفذاذ، الذين أذهلوا العالم أجمع بتضحياتهم وإيجابيتهم، وحرصهم على أن يكونوا الحل لمشاكل أقوامهم، ما حدث يوم مؤتة فى العام الثامن للهجرة، حين جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل لملاقاة الروم، وأمر عليه زيد بن حارثة، ثم قال " إن قتل زيد فجعفر بن أبى طالب، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة "، واندفع الجيش إلى منطقة مؤتة ، واصطدم بجيش الروم الذى بلغ مائتى ألف مقاتل، وكانت ملحمة سجل فيها القادة الثلاثة بطولات رائعة، انتهت باستشهادهم جميعا، وعندئذ ظهرت فى صفوف المسلمين مشكلة لا بد أن تجد لها حلا، وثغرة لا بد أن يظهر من صفوف المسلمين من يملؤها، وعبئا لا بد أن يتقدم له من يحمله، وقد تمثل كل ذلك فى أن منصب القيادة أصبح شاغرا وأن الراية التى كانت فى يد عبد الله بن رواحة تحتاج إلى من يحملها، ويرفعها على رأس الجيش، لكن من الذى سيفكر فى حمل هذه الراية عندئذ ويسد هذه الثغرة وهو يعلم أن روحه وإنهاء حياته يمكن أن تكون ثمن حملها، وقد شاهد كل واحد فى الجيش ما حدث للأبطال الثلاثة الذين حملوا هذه الراية، وأسهموا فى قيادة هذه المعركة، لقد كان البطل الذى وطن نفسه ليكون حلا لمشاكل المسلمين وسدا لثغراتهم حتى وإن كلفه ذلك حياته، هو الصحابى الجليل والبطل المقدام " ثابت بن أقرم الأنصارى"، لقد شق أجواء المعركة مندفعا نحو الراية مصرا على ألا تسقط أمام الجيش كله، حتى لا يشعر أحد فيه بخلل، وحيث إن دوره هو الحل لأى مشكلة، وليس فى ذهنه على الإطلاق البحث عن الزعامة والقيادة، إذا به يخاطب كل جنود الجيش ، قائلا : اصطلحوا على قائد منكم . قالوا له: أنت. قال: ما أنا بفاعل . وأمام إصراره اصطلحوا على خالد بن الوليد قائدا، وقالوا له اصطلحنا على خالد، ويدور بينه وبين خالد حوار من أرقى الحوارات بين القادة فى العالم كله، وذلكم حين قال لخالد: خذ اللواء يا خالد، فيقول له خالد: لا آخذه، أنت أحق به منى، لأنك شهدت بدرا وأسن منى. فقال له ثابت ابن أقرم: خذه يا خالد فوالله ما أخذته إلا لك . عندئذ أدرك خالد أنه هو رجل الموقف بعده ، فتقدم لحمل الراية وسد الثغرة. وهكذا يتحول ثابت ابن أقرم فى لحظات يسيرة من جندى إلى قائد، ثم من قائد إلى جندى مرة أخرى، فى سلاسة وسهولة ويسر، إنه يدور مع الحل الرائع لكل مشكلة ولكل موقف أينما دار، ويتتبع مصالح المسلمين أينما كانت، ويشاركه فى ذلك خالد بن الوليد حيث دخل المعركة جنديا وخرج قائدا، ولم تنته حياته حتى يدخل إحدى المعارك الأخرى وهو قائدها ويخرج وهو أحد جنودها. ألا ما أروع النفوس الأبية ، وما أحسن الإقدام والتضحية، وما أروع الرجال حين يوطنون أنفسهم لحل مشاكل الغير، وألا يخرجوا إلا فى الوقت المناسب للبذل والعطاء، والتضحية والفداء، وما أشد حاجة مصر إلى أمثال هؤلاء اليوم . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]