سبقه وحيه المبثوث من سماء كاثوليكية موحلة بالأسرار والرموز والقداسات (المتعسفة الممنوحة للحذاء المقدس وفرشاة الأسنان المقدسة وقمل الفراش المقدس) خفف من لزوجة كرنفال القداسات ذلك نهلات من التراث الإسلامي والعربي ثم (لضمها) في تلك المنظومة لتنخرط في سيرورة مضحكة من الروحانيات التي لا تكف عن الانقسام والتوالد.. ذلك ما سبق قدوم الروائي البرازيلي (باولو كويلهو) إلى مصر في الفترة من 20 إلى 24 مايو الجاري، فنه الصادر عن تجربة روحية فسيفسائية تمازجت فيها معاناة تخبط عقدي وولع بالميتافيزيقيا دفع صاحبه لممارسة السحر زمنا، مع وطأة دخول مستشفى الأمراض العقلية وقهر السجن ثم سفر وترحال وأخيراً إعادة اكتشاف واستخراج للعقيدة الدينية والتمسك بها كخلاص وملاذ وحل.. من كل ذلك (الزخم) الملحمي تولدت لدى الرجل قناعات ورؤى ؟ وهو أمر طبيعي صاغها أدباً حقق انتشارا صارخاً في جنبات العالم ، في وقت يشهد باطراد تهاوي منهجيات الوعي المادي وافتراضاتها ومقترحاتها وهواجسها ، الأمر الذي كرس ذيوع صيت الرجل (الحالة الظاهرة مكتشف الحقيقة بوذا كونفوشيوس ....) وبطبيعة الحال وطننا الإسلامي جزء من المعمورة، علاوة على كون الرجل كما أشرنا تأثر بالإسلام وحضارته من خلال قراءاته وأسفاره.. كل ذلك لا غرابة فيه، ولا اعتراض علية، فلكل أن يشكل تجربته على النحو الذي يشاء. الغريب، والشاذ، والمرفوض، والسلبي والمستفز والساذج حتى العته، هو أن نساوي أنفسنا كمسلمين وباقي متلقي (وحي فيوضات إشارات ) باولو كويلهو، وذلك باختصار لأن خصوصيتنا الدينية والإنسانية تجوب بنا في آفاق مختلفة وفتوحات أرحب وأعمق، تنبثق من عقيدتنا الإسلامية ومحددات الشرع الحنيف.. ولا يعني ذلك رفض الآخر ونبذ التواصل معه والإنصات له، فذلك أمر نحن مأمورون به شرعاً، ولكن في سياق التعارف والدعوة الذين أرشد إليهما القرآن الكريم، وهو سياق لا يمنعنا، بل يرغبنا ويأمرنا أن نعترف بأخلاق الآخر ومبادئه إن كانت متسقة مع ثوابتنا، أو في إطار سعيه لاكتشاف الحقيقة، ومهمتنا عندئذ يحكمها شرح الإسلام له وللعالم وبيان جوانب روحانياته (الحقيقية ) وحلول للضياع والخواء والعشوائية التي تهيمن على قلوب البشر في هذا الزمان وكل زمان يخلو من الإسلام، وهي مهمة ترفض بإصرار الواثق أن نتلقى ذلك الآخر مهما علا شأنه كصاحب اليقين أو البصيرة النبوئية /النبوية، وهو ما حدث مع باولو كويلهو في القاهرة، الرجل كاثوليكي متدين، ويعلن ذلك ويعتز به، وذلك حقه، وهو أعلن في ندوته بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن مهمة الباحث عن الحقيقة، والكاتب بدرجة أولى أن يطرح الأسئلة ويضرب وراء تهويمات البحث / مجرد البحث لا عن إجابات.. الأمر الذي يطرح الإسلام العظيم إزاءه رؤية خاصة ترتكز /وتركز على تزكية روح الإنسان وحثه على التساؤل والتطلع والشوق الأخلاقي، ولكنها تقود ذلك كله في طريق الحل الذي ترفعه هوية وتمارسه منهاجاً وأسلوب حياة "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (الذاريات)، فالإسلام يقرر أن الحل /الإجابة هدف أسمى للوجود، وذلك بغير انتقاص للثناء على مدارج سلوك الإنسان صوب هذا الحل.. بل إن القرآن الكريم والسنة المطهرة زاخران بالنصوص التي تعد السائر الباحث عن الحق بإخلاص، بثواب إلهي جزيل مبارك، هو الهدى والعون وراحة البال واليقين "والذين اهتدوا، زادهم هدى، وآتاهم تقواهم"، ذلك سواء أكان السير لطلب الحق جهداً فكرياً وممارسة روحية، أو تعظيماً لحرمات الله عز وجل وإمساكاً عن معصيته.. يقول جل وعلا "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب"() ويقول إمام السائرين ودليل الحائرين صلى الله عليه وسلم"النظرة سهم من سهام إبليس، من تركها مخافة الله، أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه".. أخيراً أخي القارئ، بوسعنا أن نضحك سوياً على حالة التلقي الأخرق التي قوبل بها باولو كويلهو/ النبي من جموع المريدين، التي وصلت ببعضهم أن يسأله: (كيف توصلت إلى الحقيقة؟)!!.