أخيرًا.. تفضل بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين بالمشاركة فى وقفة للصحفيين تضامنًا مع الزميل أحمد جعفر المختطف ضمن أحد عشر من خيرة أبناء مصر فى الإمارات العربية.. الوقفة الكريمة العقيمة جاءت بعد أكثر من شهر من اختطافه وكأن مجلس النقابة لا يعلم شيئا عن الزميل.. وربما نلتمس العذر للمجلس الذى بات شبه متفرغ لمعاركه السياسية ضمن منظومة معارك جبهة الإنقاذ ولا حرج فى ذلك، فمن حق المجلس انتهاج ما يراه من مواقف سياسية، لكن المهم ألا تبتلع تلك المواقف قضايا المهنة، وخاصة حقوق الصحفيين الأساسية وعلى رأسها اعتقالهم وانتهاك حرياتهم.. ولئن كان الاعتقال حدثا يجب أن يفزع له مجلس نقابة الصحفيين، نقيبا وأعضاء- إن كان يحترم المهنة ويدرك طبيعة مهمته بحق – فإن اعتقال زميل خلال غربته خارج الوطن يقتضى فزعة أكبر وتحركًا أنشط، لكننا لم نلمس ذلك فى قضية الزميل أحمد جعفر، فقط ما تفضل به المجلس هو بيان مقتضب ذرًا للرماد!.. بينما لم تتوقف حركة بقية النقابات التى يتبعها معتقلون آخرون من أطباء ومهندسين نصرة لأعضائها وقيامًا بالواجب المهنى المحتم عليهم. وقد كان آخر تلك التحركات "اتصال وزير التربية د. إبراهيم غنيم تليفونياً بأسرتى المعلمين المحتجزين فى دولة الإمارات للاطمئنان على أحوالهما، كما أجرى الوزير اتصالاً تليفونياً بالسيد شريف البديوى القنصل المصرى فى دبى لمتابعة الموقف" .( موقع رصد – السبت 12 / 1/ 2013م) كما تابعنا تحركات مجلس نقابة الأطباء أمام مقر الجامعة العربية، ومقر السفارة الإماراتية بالقاهرة؛ دفاعاً عن زملائهم الأطباء المعتقلين فى الإمارات، ولم نرَ واحداً من مجلس نقابة الصحفيين ينضم إليهم دفاعاً عن زميل مهنتهم! وكنت أتمنى كغيرى - كغيرى - أن يثبت مجلس النقابة – معظمه من الزملاء الناصريين - أنه غير متحيِّز فى قضية «أحمد جعفر» المعتقل بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين.. كنت أتمنى رؤية الزميل جمال فهمى وكيل النقابة والزميل كارم محمود الأمين والزميلة عبير سعدى ومعهم بقية زملاء المجلس يهرعون مرة للانضمام إلى ممثلى النقابات الأخرى الذين ذهبوا إلى مقر سفارة دولة الإماراتالمتحدة أو مقر جامعة الدول العربية للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين لكى يقدموا للمهنيين المثل والقدوة فى نصرة زميل المهنة المظلوم مهما اختلفوا مع معتقده أو موقفه ويقدموا المثل والقدوة فى الانتصار لحق الإنسان ويثبتوا لنا أنهم يمثلون كل الصحفيين وليس التيار الناصرى، خاصة أنهم لا يكفون عن مطالبة الرئيس بأن يكون رئيسا لكل المصريين، وهذا من حقهم أن يطالبوا من شاءوا بما شاءوا، لكنى من خلال متابعاتى لقضية الحريات بالذات، ألاحظ حالة من التفرقة الظالمة تولد مرارة فى النفس من أناس لا يكفون ليل نهار عن المطالبة بالحريات لكل الناس وبالمساواة بين كل الناس، بينما هم داخل نقابتهم يفرقون بين قضية صحفى وآخر فى ممارسة انتقائية وفئوية كريهة، وقضية الزميل أحمد جعفر خير مثال. وحتى أوضح كلامى أكثر، أذكر مجلس النقابة المحترم بما ذكرته به فى مقال سابق، وهى قضية مشابهة أقام فيها المجلس الدنيا ولم يقعدها وهى قضية اعتقال السلطات السودانية للزميلة «شيماء عادل»، موفدة جريدة «الوطن» للسودان فى يوليو من العام الماضي. ورغم أن نقيب الصحفيين السودانيين د.محيى الدين تيتاوى أعلن - وقتها - أن جهاز الأمن السودانى أبلغه بأن أسباب احتجاز «شيماء» «لا علاقة لها بالنشر الصحفي، وأنها قيد التحقيق فى قضية أخرى بجانب آخرين»، وأن «شيماء» «لم تدخل السودان بصفتها الصحفية، ولم تتخذ أياً من الإجراءات اللازمة للصحفيين سواء عند مغادرتها للقاهرة أو وصولها للخرطوم.. أقول: رغم كل ذلك، فإن مجلس نقابة الصحفيين ومعه المنظمات الحقوقية لم يتوقفوا عن المساعى للإفراج عنها، كما أن محيط السفارة السودانية لم يخلُ من المتظاهرين والمحتجين من الصحفيين، وبينهم أعضاء من مجلس النقابة، كما أنه تم تصعيد قضيتها بالسرعة المطلوبة إلى الاتحاد الدولى للصحفيين، واتحاد شرق ووسط إفريقيا، بجانب نقابة الصحفيين المصريين؛ لتبنى قضيتها والإفراج عنها، وفى الوقت ذاته، فإن برامج «التوك شو»، ذات التوجه المعروف لكل مصري، لم تخلُ من خبر يومى عن قضية «شيماء»، وكل ذلك أمرٌ محمود، ويصب فى خانة الدفاع عن المهنة وأصحابها.. وقد تُوِّجت تلك الجهود - كما نعلم – بنجاح الرئيس «محمد مرسي» فى الإفراج عن «شيماء»، وهنا أطبق الصمت على الجميع، وجاء الحديث من مجلس النقابة: إن الرئيس فعل ما كان يجب عليه أن يفعله! هذا ما فعله مجلس نقابة الصحفيين وكل أنصار حقوق الإنسان فى إعلامنا مع شيماء، ولكن ذلك كله توارى تمامًا مع قضية أحمد جعفر المتواجد على أرض الإمارات بصورة شرعية؛ أى أن قضيته أسهل بكثير من قضية «شيماء عادل»، لكن حظ «أحمد» العاثر مع مجلس نقابة الصحفيين العنصرى أنه متَّهم بالانتماء ل«جماعة الإخوان المسلمين»! لقد قلت فى مقال سابق إن الأمر فى نقابتنا يدعو إلى الرثاء والعجب، فقد تحولت ومعها المؤسسات المصرية المعنية بحقوق أعضائها - وحقوق الإنسان بصفة عامة - إلى مؤسسات شبه خاصة أو مكتب سياسى لحزب، تعطى كل اهتمامها لبعض الصحفيين، وتُقيم الدنيا ولا تُقعِدها إذا مسَّه مكروه، وذلك أمرٌ محمودٌ.. ولكنها تتجاهل قضايا صحفيين آخرين، ولا تتفضَّل عليهم بأكثر من بيانٍ لإثبات موقف ولرفع العتب! وكان الأَوْلى بمن يصرخون ليل نهار مطالبين الرئيس بكل مفردات العدالة أن يقدِّموا القدوة من أنفسهم، ويكونوا مجلساً لكل الصحفيين.. لكن يبدو أننا نحلم! (*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية [email protected] twitter: @shabanpress