جمال حمدان.. حامد ربيع.. عبد الوهاب المسيرى.. تتلاقى هذه الأسماء الثلاثة الرائعة في عالمها المتألق إبداعًا وفكرًا وحلمًا، لهم سماتهم التي تميزهم وتجمعهم في مشاريع متقاربة الملامح، ولهم حضور خاص في الوجدان المصري والعربي والإسلامي ولدى أحرار العالم ومثقفيه. ذكرهم ينشر أجواء روحانية وحميمية ويشيع دفئًا وإخوانية رقيقة راقية، قضيتهم حلمهم خيالهم كلها روابط تجمع أبناء وطن بل بني الإنسان في كل وطن وزمان، كل منهم مثال نادر للمفكر الإنسان وللمثقف العضوي وللمناضل الحر. العلاقة الأسرية الحميمية التي تربطهم بتلاميذهم، والعضوية التي تربطهم بأوطانهم، والإنسانية التي تربطهم بكل إنسان حر من أنانيته في العالم، والرحمة والذوق الرفيع الذي يربطهم بكل ما في هذا الكون البديع. الثلاثة تناولوا المشروع الصهيوني باعتباره مشروعًا عنصريًا عدوًا لقيم الإنسان الروحية والروابط الحميمية بين بني البشر، والرحمة التي جاء الإسلام مبشرًا بها، فالصهيونية في فكر المسيري مشروع غربي استعماري إحلالي نقيض لقيم الإنسان وهي ظاهرة من ظواهر معاداة السامية قبل أن تكون عدوًا للعرب وللمسلمين. الثلاثة تناولوا المشروع الصهيوني مبشرين بنهايته، ولم تخدعهم ولم تخضعهم هذه المظاهر الخشنة، ورأوها قشرة مادية بالية. والثلاثة عدتهم إسرائيل أعداء لها، وحامت الشكوك حول دور الموساد في قتل الدكتور جمال حمدان في 17 أبريل 1993 ولا يستبعد دور إسرائيل في تسميم الدكتور حامد ربيع وموته الغامض في 9 سبتمبر عام 1989. تناول الثلاثة المشروع الصهيوني بحس مثقف منتم عضوي، فكان حامد ربيع يرى ضرورة أن يشغل المثقف بضرورة الوظيفة الإنسانية للعالم، ويؤكد إحياء روح الكفاح الوطني لدى المفكر، وهو الذي أطلق عبارة "الصراع مع إسرائيل صراع وجود لا صراع حدود". أما الدكتور المسيري -أستاذ الأدب الإنجليزي- شرع منذ الستينيات في دراسة الصهيونية لما رأى هذا الخطر الاستراتيجي يحيط بالأمة، ظل طيلة عمره يربط بين مشروع المثقف الفكري ودور الوطني النضالي ورسالة الإنسان القيمية. في حين خاض جمال حمدان من خلال رؤية إستراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين، وكان سباقًا في هدم المقولات الإنثروبولوجية التي تعد أهم أسس المشروع الصهيوني، حيث أثبت أن دولة إسرائيل ظاهرة استعمارية صرفة، قامت على اغتصاب غزاة أجانب لأرض لا علاقة لهم بها دينيًا أو تاريخيًا أو جنسيًا. الثلاثة لديهم رؤية ثاقبة سابقة لعصرها وقدرة على التنبؤ واستشراف المستقبل بفهم عميق لحقائق التاريخ ووعي متميز بوقائع الحاضر. أدرك جمال حمدان ببصيرته الثاقبة أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك في 1968 والاتحاد السوفياتي في أوج مجده والزحف الشيوعي يتمدد شرقًا وغربًا، وبعد 21 سنة وفي العام 1989 يسقط جدار برلين في 9 نوفمبر 1989، ثم في العام 1991 يتفكك الاتحاد السوفياتى وينهار. وقد منعت السلطات العراقية الدكتور حامد ربيع من السفر حينما كان مدرسًا في إحدى جامعات بغداد بسبب تحذيره من غزو العراق للكويت، فاستطاع العودة إلى بلده. وكذلك الدكتور المسيري تسلل من الأراضي الكويتية بعد عزو العراق ناجيًا بموسوعته اليهود واليهودية والصهيونية على شاحنة. الدكتور عبد الوهاب المسيري تنبأ بسقوط مبارك، فشارك في تأسيس حركة كفاية، وهتف في شوارع القاهرة وميادينها "يسقط يسقط حسني مبارك". وقد كتب وأكد نهاية إسرائيل، وفي آخر تسجيل له في 7 يونيو 2008 قال لقناة الجزيرة إن حلم حياته هو تحرير فلسطين وإنه يراه قريب المنال. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]