طالما قلنا بأن الأمم تبنيها عقيدتها، التي يحملها أبناؤها المخلصون لها، وتسهر على نهضتها عقول وسواعد رجال يضعون مصلحة دينهم وأمتهم نصب أعينهم. والأمم كالزوجات الضرائر، اللاتي يشتركن في رجل واحد، يكون بينهم الحسد والغيرة والضغائن وغيرها، وإن اتفقت في أشياء افترقت في أخرى، ونادرًا ما تُقدِّم أمةٌ غيرها على نفسها بشيء إلا لأغراض تجني من وراءها أضعاف ما تركته. أقول هذا حتى لا ننخدع بسيل القروض التي تفرضها علينا بعض الدول، أو تغرينا بها دول أخرى، ونعرف أنها قروض المذلة والعار، التي تخفي خلفها رغبات وطموحات في احتلال بلادنا عن بُعد، وتوجيه سفينتها لتجري في نهر مصالح الدائنين. إنهم يرسمون لنا بهذه القروض خط السير الذي يقتلنا في نهاية المطاف، بشكل أو بآخر، وما مِن مكان دخلته قروض العار إلا ولحقت به خيوط الاحتلال، ووقعت الدول المدينة فريسة سهلة في يد الدائنين، والتاريخ يصفع الغافلين ويلطمهم بأمثلة لا تزال شاهدة على ما نقول. ومن الجهة الاقتصادية فقد سطّر أجدادنا العظماء في أمثالهم العامية مقولتهم الفريدة: «السلف تلف والرد خسارة»، لتصرخ في أولئك الذين يستسهلون الاقتراض من الشرق والغرب، بغية بناء الأمة المصرية وإقالة عثرتها، وما درى هؤلاء أنهم بذلك يسلمونها لقمة سهلة لأعداء نجاحها، ومحبي فشلها. ولو كنا لا نملك خطة رشد تدلنا على ما ينبغي أن نفعل وأن نقول، لهان الخطب، ولصح لنا البحث هنا وهناك عن مخرج لأزمتنا الاقتصادية المزعومة، وأقول المزعومة لأنه ليست لدينا أزمة اقتصاد وإنما أزمة إدارة على الحقيقة. والمقصود أننا نملك خططًا إسلامية راشدة نخرج بها من كل أزماتنا مهما كانت، ونملك في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خير خطة نهتدي بها إن أردنا العز والنهضة الحقيقة والرفعة لهذه الأمة. إنني أدعوكم للنظر في سيرة النبي عليه السلام، هل اقترض من الخارج لبناء الأمة يومًا ما؟ أم أنه اقتصر على رهن درعه في شأن خاص به هو عليه السلام؟ وقد أرسل إلى الملوك والأمراء وسائر الأمم يدعوهم للإسلام، وما أرسل لهم يومًا يطلب قرضًا من أحدهم، وحاشاه أن يفعل هذا، وحين كانت الأمة تحتاج إلى شيء كان يلجأ عليه السلام إلى الزكاة والصدقة ويستحث الناس على البذل والتضحية؛ فالأمة تقوم على أكتاف أبنائها، وما من أمة قامت على أموال غيرها إلا سقطت وذهبت وتناساها التاريخ، بغضًا واحتقارًا وذمًا لسلوكها. ومن قبل هذا كله كان النبي صلى الله عليه وسلم «يتعوَّذ من غَلَبة الدَّين»، لهمومه وغمومه التي يسدلها على الإنسان، آناء الليل وأطراف النهار، حتى يقضي دينه. وحين هاجر صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، أراد بعض الأنصار أن يتنازل لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، عن نصف ماله وأن يزوجه، فرد عليه عبد الرحمن بن عوف قائلًا: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق» [رواه البخاري 2049، ومسلم1427]. فما لبث عبد الرحمن بن عوف أن صار أحد أثرياء الصحابة جميعًا. إنهم أناس توكلوا على الله، وقصدوا بابه، فبارك لهم في سعيهم، ورزقهم كما يرزق الطير، مصداقًا لقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ» (الأعراف:96). إنني أدعوكم لتجنب الحرب من الله عز وجل، الذي توعّد آكلي الربا بحرب منه سبحانه، كما قال سبحانه: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» (البقرة:279). أدعوكم لإعادة النظر في كل خططكم، إعادة حقيقة تقوم على شهادة الواقع والأرض، لا شهادة المكاتب والأوراق الفارغة. أدعوكم لدراسة الواقع المصري عبر السفر في أرضه وشوارعه وسؤال أهله في أماكن حياتهم وأسواقهم وأعمالهم، سؤالًا صحيحًا حقيقيًا واضحًا صادقًا غير مكذوب. أدعوكم لسؤال الناس عن رأيهم فيما تقترضون، وأن يكون القرض عبر استفتاء شعبي موسع. وفي هذا الإطار أتوجه بالدعوة لمجلس الشورى لاستصدار قانون يلزم الحكومة بعرض جميع القروض على استفتاء شعبي ليؤخذ رأي الشعب الفقير الذي سيتحمل أعباء سداد هذه الديون الجديدة. [email protected]