الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح له على النخبة والمثقفين عتب، ومثله يحق له العتاب، فالرجل على تواصل محمود مع الكثيرين من قيادات ورموز التيارات الأخرى، وهو وجه إخواني محبب عند تيارات بينها وبين الإخوان الكثير من الاختلافات والخلافات والتاريخ المحمل بالمواجع والشكوك.. وأعترف أن مقالته بجريدة "العربي" تحت عنوان "هل القلوب تنكر نبضها" ضبطت النخبة في حالة تقصير ما كان يجب أن تقع فيه في ظل ظروف ما نحن فيه، وأقر بتقصيري الشخصي في هذا المجال-وأنا من ذاق من قبل مرارة السجن وويلات الاعتقال، وتعهد بينه وبين نفسه ألا يقف مكتوف اليد منزوع اللسان عن أي انتهاك لحقوق الإنسان! ولست أعتذر عن نفسي أو عن آخرين لا أملك حق الاعتذار عنهم، ولكني إذ أعترف بالتقصير أمضي إلى محاولة فهم الأسباب التي جعلت مثل هذا التقصير يصير جماعيا أو يكاد! ولاشك أن هناك أسبابا كثيرة تقف وراء خيانة النخبة لنفسها أو لبعضها البعض، أو خيانتها لمقولاتها وبرامجها المعلنة التي لا تمل من ترديدها ليل نهار على مسامع العالم، ما أدى إلى أن تمر حوادث القبض على المئات من المتظاهرين من أجل الحرية ليس لسبب إلا لأنهم من الإخوان! ولكن يبقى - حتى نكون أمناء مع أنفسنا ومع الحقيقة- أن نقول إن شكوك الكثيرين من قيادات هذه النخبة في أهداف الإخوان من وراء مظاهراتهم المنفردة - ولو كانت تحت شعارات الإجماع الوطني- هي التي تقف حجر عثرة أمام التضامن المطلوب مع معتقليهم ! وحتى لا أفهم خطاً أبادر بالقول إنه لاشك عندي في أن النخبة مدانة عندما تركت (الإخوان) يتعرضون لضربات النظام، ولكن ألست معي يا دكتور عبد المنعم في أن الإخوان مدانون بنفس الدرجة حين أصروا على أن ينفردوا بإظهار عضلاتهم على أساس" لنا مظاهراتنا ولكم مظاهراتكم"! ولا شك عندي في أن المثقف المصري في حاجة إلى مراجعة نفسه إذا لم يتألم لظلم يقع على أي من مكونات الحياة السياسية، أفرادا وجماعات، وأرى أن الواجب يقتضي أن يخرج الجميع من ضيق التحزب إلى سعة القيم المشتركة، فلا يقبل بأي انتهاك يتعرض له أي مؤمن بهذه القيم، يتساوى في ذلك ظلم يتعرض له عصام العريان مع ظلم يتعرض له عبود الزمر و"كل من أحب هذا الوطن، ونذر نفسه لرفعته وإصلاح أموره وأحواله"! ولاشك أن الدكتور عبد المنعم محق عندما يتوجه بالسؤال الى إخوانه من المثقفين والمفكرين والسياسيين عن "هذا الصمت المطبق تجاه عصام العريان وإخوته"، ولكن ألا يدعونا ذلك إلى أن نساْل بدورنا عن الدور الذي تقوم به جماعة الإخوان في التضامن مع المعتقلين من غير الإخوان؟ تعالوا نتفق على أن كل القوى والأحزاب والتيارات بل والمجموعات -الصغيرة قبل الكبيرة- تعيش حالة من الانكفاء على الذات والاكتفاء بالذات، وتضخم "الأنا التيارية" على حساب العمل الجماعي المنتج والأكثر تأثيرًا، ودعونا نتفق أيضا على أننا ما نزال - كلٌ بطريقته - نتصور أفكارنا صواب لا يحتمل الخطأ، وأفكار غيرنا خطأ لا يحتمل الصواب، وتلك مصيبة المصائب التي أودت بكل إمكانية للتجمع من أجل صياغة مستقبل أفضل لبلادنا ولمجتمعنا نكون فيه جميعا ولا خاسر بيننا !! ولنمضي في شوط الصراحة أكثر من هذا ونقول إن كثيرا من أصحاب الفكر ذي المرجعية الإسلامية هم أكثر الناس الذين يرون أن الإخوان في الجماعة عليهم أن يبحثوا في الأسباب التي لا تجعل منهم جزءا لا يتجزأ من الجماعة الوطنية بدلا من أن يتذكروا تلك الحقيقة فقط عندما يُضيق عليهم أهل الحكم! وأقول للدكتور عبد المنعم إن القلوب لا تنكر نبضها إلا إذا ماتت، ونحن لا نعلن موت النخبة، ولكننا نخشى من تفرقها وانقسامها، ونحذر من ذهاب ريحها قبل أن تشتد.. [email protected]