ما يحدث الآن للجنيه المصرى يرضى كل عدو ولا يرضى أى حبيب برغم كل ما نقرأه من مانشيتات خادعة فى الجرائد الحكومية وتصريحات رنانة لمسئولين يستخفون بعقول الشعب المصرى بأنهم نجحوا فى إيقاف تراجع الجنيه المصرى أمام الدولار ليتوقف الدولار عند ستة جنيهات وأربعين قرشاً! ولم يتشملل أحدهم ويبرر لنا لماذا قفز سعره فى ثلاثة أسابيع لأكثر من خمسين قرشاً! وللأسف تسببت السياسات الاقتصادية المرتبكة للحكومة، بالإضافة إلى تكالب المصريين على تحويل مدخراتهم من الجنيه إلى الدولار فى زيادة الطلب على الدولار وتراجع الجنيه وساهمت البنوك أيضاً فى ذلك بفاعلية، وذلك بتقليلها للمعروض من الدولارات لتخفيض خسائرها ليلجأ رجال الأعمال والشركات والمواطنين فى تدبير احتياجاتهم من الدولار من السوق السوداء، حتى وصل الفارق بين البنك والسوق السوداء إلى أكثر من خمسة عشر قرشاً فى الدولار الواحد وهو فارق لم يحدث منذ أكثر من عشرين عاماً. وكعادة حكوماتنا فهى تسعى دائماً لإصلاحات جزئية لا تزيد عن كونها مسكنات دون أن يكون لها رؤية شاملة تشمل السياسة والاقتصاد والمجتمع كوحدة واحدة وتتعامل مع الشعب بطريقة "أنا لا أكذب ولكنى أتجمل"، ولا تسمى الأشياء بأسمائها وتحاول إقناعنا بأن الأمر هو مجرد تذبذب فى طريقه للاستقرار دون أى اعتراف بأن ما يحدث للجنيه المصرى الآن، ما هو إلا تعويم واضح وصريح وستكون له آثار وخيمة على الاقتصاد المصرى سيدفع ثمنها المباشر المواطن البسيط الذى لا يكاد يجد قوت يومه. وأهم تلك الآثار أن انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار سيؤدى إلى زيادة أسعار الواردات من منتجات نهائية وخامات ومستلزمات إنتاج، وبالتالى لزيادة أسعار السلع المستوردة وارتفاع تكلفة التصنيع وعدم قدرة القطاع الصناعى على المنافسة سواء بالسوق المحلية أو بأسواق التصدير لارتفاع التكاليف، وخاصةً فى ضوء المنافسة الشرسة من الشركات الصينية التى ستنشط حتماً وتنتهز تلك الفرصة لنهش ما قد يتبقى من الاقتصاد المصرى كبديل لبعض مصانعنا التى لن تقوى على الصمود وستتوقف عن الإنتاج بسبب عدم قدرتها على المنافسة، بما يؤدى أيضاً لتسريح العمالة وزيادة البطالة. كما سيؤدى انخفاض الجنيه حتماً إلى هبوط حاد فى حصيلة الضرائب نتيجة الخسائر التى ستلحق بالاقتصاد ككل، وخاصة القطاع الصناعى والقطاع التجارى وفى نفس الوقت ارتفاع الدين الخارجى لمصر بنفس نسبة انخفاض الجنيه أمام الدولار، مما سيزيد من أعبائها وفوائدها وسيضغط هذا بشكل أو بآخر على الموازنة العامة للدولة بالعجز، وسيجبر الدولة لتقليل الدعم أو إلغائه عن السلع الأساسية بالتدريج، وأهمها الغذاء والدواء والطاقة والسكن وتتحول بعض السلع الأساسية إلى كماليات بسبب ارتفاع أسعارها وسيكون لهذا آثار اجتماعية سلبية خطيرة إن تفاقمت قد يصعب تداركها. والأخطر من ذلك أن تغييراً جذرياً قد يحدث فى المجتمع على مدى ليس ببعيد، فيزداد غنى الأغنياء ويزداد فقر الفقراء وتختفى الطبقة المتوسطة ويستجد على المجتمع نوعاً من الجرائم التى ستكون مبررة بضيق ذات اليد، وهى جرائم الفقر التى تتمثل فى التشرد والتسول وتشغيل الأطفال وانتشار الباعة الجائلين، وهو ما بدأ بالفعل فى التفشى على أرض الواقع. [email protected]