على حين غرّة، ودعت حسناء الهند كل أحلامها فى الحياة من زواج فى ربيع العام القادم ومن حياة آدمية كريمة كطبيبة بشرية، وقبل كل ذلك من مجرد الحق فى الحياة، حينما انقض عليها ستة ذئاب بشرية وهى تستقل حافلة عامة فى الهند فى وضح النهار.. هنالك حينما استحال نور النهار ظلامًا.. واستحالت لغة الكلام صراخًا.. حينما نزع الساق عن الساق سراعًا.. وشق الجيب عن الجيب تباعًا.. هنالك حينما أمطرت السماء اللكمات.. وأحيطت بالرأس الكدمات.. وتحولت العظام النحيفة إلى كسرات.. وامتنع القلب عن النبضات.. وغاضت عن العين النظرات.. وتعطلت الرئات عن الزفرات.. وانتزعت الشياطين من الريحانة الضعيفة.. ما بين ساقيها من شرف الكرامات.. وما فى قلبها.. من عزة ومن خير الصفات.. وانهالت على الجسم النحيف الضربات والاغتصابات.. وصرخت الضعيفة المسكينة فى أرجاء الكون.. وامعتصماه.. وامجتمعاه.. ونادت ولات حين مناص.. فضاعت صرخاتها فى الكون وذابت لا يسمعها إلا بارئها.. ولما صارت على شفا القبر حملوها إلى سنغافورة للشفاء.. وقيل من راق ومن عنده الدواء.. وظن أنه الفراق.. وما التفت بعد الساق بالساق.. وكان إلى خارج الدنيا المساق، وغادرت ابنة جديدة من بنات حواء هذا الكون.. تاركة نفس الصرخة.. التى تركتها أخواتها فى عصر الجاهلية قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم: بأى ذنب تقتلونى؟ ولا ترجع هذه الجريمة الشنعاء فى الهند لتخلف الدستور الهندى وإنما جاءت لتغلل ضعف الدستور الدينى وتميع القيم الضابطة، فالدستور الوضعى للدول لا يعيد شرعنة الوجود ولا يستطيع استحداث مؤسسة الضمير فى بنى البشر.. وإنما تبقى الدساتير الوضعية ترجمة لما تم التفاهم عليه من هوية الدولة والمجتمع. إن رصد وإثبات الدستور الدينى فى الدستور الوضعى إنما يكفل دعم الدستور الدينى وتكليف سلطات الدولة بحماية ممارسته، لأنه لا غنى لأى مجتمع عن هذا الرابط الديني، كما أن أفضل دساتير العالم لا تصنع ولا تكفل مجتمعا آمنا إذا ما تم تغييب الدستور الديني. ولذا كان اعتراض عدد كبير ممن قالوا "لا" لمشروع الدستور المصرى هو أن مشروع الدستور لا يعكس الدستور الدينى الشرعى بالقدر الكافي، والذين ينادون بإسقاط الدستور المصرى اليوم لبعده الشرعى إنما يقصدون إسقاط هذا الدستور الشرعى أيضًا وهذا أمر أعمق من أن تجتثه قوة من الأغلبية الديمقراطية المصرية عميقة الحس الديني. لذا أتوجه بهذا السؤال إلى الليبراليين المصريين والأقباط المصريين فى الأحزاب وفى الكنائس من قائد ومقود.. الذين ملأوا الدنيا عويلاً فى الداخل والخارج اعتراضًا على المادة الثانية من الدستور واعتراضًا على المادة التى تفسرها، المادة 219، والتى تجعل مصدر المعلومة الشرعية هى الأزهر.. أى العلم الرصين المكشوف الوجه.. المعلوم الاسم.. الواضح العنوان، لا الجماعات الدينية اللاعلمية.. المجهولة الهوية.. المجهولة العنوان.. المجهولة المرجعية والهيكل - أتوجه إلى هؤلاء بالسؤال: أترتضون لبناتكم ونسائكم ونساء بلدكم ونساء البشرية ما تعرضت له هذه الضحية الهندية؟ إن ما نحتاجه هو تفعيل الدستور الدينى على أوسع نطاق فى عملية التربية والتعليم وفى الإعلام وفى الفنون بشتى أشكالها. إذ أن آثار التجهيل الدينى الذى خضع له المصريون عقودًا لا تزال تحكى قصته الجريمة فى الشارع المصري.