قدمي على الماء رأسي في السماء ذراعاي تتسعان تعانق الهواء، يا له من شعور رائع يمنع الكبرياء لاشيء أمامي ولا بي شقاء، أنادي ربي مهموم ألطف بي رجاء فأجاب انظر أمامك لاحظ الأشياء، نظرت إلى السماء اتساع شاسع فالت حدود المألوف، نجوم لا تعد ولا تحصى كانت لي بعيدة بينما مني قريبة، أراها صغيرة وإن كانت كبيرة، اقطفها فهي لي بيدي وبين أصابعي أتخذها قلادة على صدري وأعطي نظيرتها هدية لمن أحب، كلما نظرت في اتجاه لم أجد له نهاية ويشغلني البحث في كون عظيم، جعل البسمة تفارق شفتي لتسكن قلبي وتملأ حواسي فرحًا وسرورًا وتحول الشهيق إلى اشتياق لمعرفة الأسرار، يا له من غموض ممتع تفنى الحياة في وصفه ولم يكتمل، ثم نظرت إلى الأرض إذا هي صحراء جرداء في قحط وبؤس تقشف صماء، ليس بها همس وحس موحشة فقراء، ورياح شديدة تلطف الهواء يتساقط مطر ينحت فيها مجر ويجري نهر في الأرض ليظهر شجر في أجمل الألوان، يعطي ثمار فواكه ذات مذاق جذاب تأتي إليه طيور وأحياء من سائر الوجود تغني وتلعب من دون قيود وأحزان، توازن طبيعة لكل عنصر فعل وبقاء يتغزلون أحباب في مطلع سلم رفقاء، بستان شيق فيه من كل شيء وجود ومن كل عطر شكل ومن كل ورد لون، سبحانه لوحة فنان تتجسد أمام العين وفي القلب والعقل لها عنوان، وجاء الإنسان بريء ضعيف خائف حيران يتأقلم مع الطقس والبيئة ليشعر بالأمان وأكتشف الطبيعة وعرف الغذاء وأوفى المطالب، فسرعان ما تكاثر وفاض العدد وبدأ الاختلاف هذا أراد وذاك يريد: (خلق من تراب وما تنتظر منه، التراب لهم مداس خطوات أرجلهم، وإن جاب لهم جاه باعوا ولا يشترون منه، الطبع غلاب والأصل شكلهم، تسمع بحيح الآه من ظلم سأئدهم)، أفتقر العقل جهل التصرف: فريق يجمع والآخر يزيد طبول الحرب كانت وليد لخوض المعارك في سبيل عجيب، الدنيا متسعا هم ساذجين يضيقونها علي أنفسهم وهم غافلون. همج رعاع الحقد داويهم والغل عاميهم، دماء سالت تروي أراضيهم لعنا وحرقا على ما بدئ فيهم، فمن الله عليهم بإمام من العلماء وحكيم من العقلاء يهديهم ويرشدهم إلى طريق النجاة، فنادي فيهم وقال: إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار، إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا، ولا تيأسوا من روح الله خلقتا من روحه وحياتكم منه، إنما ييأس من روح الله الفاسقون الغافلون، الدنيا مرتعا لتكن مغرما لنيل مغنم والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواب وخير أملًا،هموا من ضيق الدنيا إلي سعتها ومن ظلم الأعوان وجور الأديان إلى عدل العمران، صلوا الأرحام قدروا الإنسان ارحموا الضعيف أوقفوا الظالم ودوا الصغير احترموا الكبير أفشوا السلام أعدموا الطغيان، فكانت لهم بداية: فلح الزراعة وأبتكر الصناعة أدرك علوم وأبدع فنون فأنشأت حضارة وأصبح الإنسان معنى لحياته وقيمة لذاته وثورة حققت من أمجاده، وما أن طال الأمد ظهر العجب فتراجع الناس علي ما كان هم فيه، فرقا جمعهم وشتت شملهم:( فكانوا عصبا لكل طائفة مقام ولكل كبير قام فقامت الخلافات على أهون سبب ونشأت النزاعات بينهم إلى الأبد، وكانت الحرب سيجال يوم لهذا ويوم لذاك وإن أنجزت لن تنتهي، مهزوم يستعد ومنتصر يحصن أموال تصرف وعقول تحرق نفوس تموت وأخرى تسلب مقدرات تنهب وممتلكات تخرب)، وتوالى في العالم مدنيات ثم خفيت ودرست فيها العلوم والفنون ثم جهلت، وصلحت أحوال الأناسي ثم فسدت، ولم يزل الناس في قيام وقعود وهبوط وصعود. والأمم في تلاشي وفناء ونشوء وارتقاء، حتى استعد المجموع في جملته للرقى العام فمنحه الله تعالى الهدى بدين الإسلام، جاء والعالم كله في تأخر من جميع الوجوه أو الجهات بالدين والعلم والمدينة والسياسة، فلم يمر قرن واحد حتى جدد للعالم كله دينًا قيمًا وعلمًا محكمًا ومدنية سعيدة وسياسة رشيدة، ونشر ذلك كله في مشارق الأرض ومغاربها بقوة الحق وسرعة البرق، فتغير به وجه الأرض ونفخ في الإنسان روحًا جديدًا أعطاه من مبادئ الحياة مالا يقبل الفناء. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]