تقدم النائب العام المستشار طلعت إبراهيم باستقالته، بعد لقائه مع عدد من أعضاء النيابة العامة، الذين طلبوا منه التنحي عن المنصب، الذي شغله بموجب قرار أصدره الرئيس المصري محمد مرسي. ورغم أنه طلب منهم إمهاله لما بعد انتهاء الجولة الثانية من الاستفتاء إلا أنهم أصروا على أن يتقدم باستقالته فوراً، على أن يتم البت فيها بعد الاستفتاء. وبالرجوع للطريقة التي تم بها تعين النائب العام ومتابعة موقف القضاء والنيابة من تعيينه ومن الإعلان الدستوري ، ومن الإشراف علي الانتخابات، نجد أن هذا كان متوقع. فالقانون ينص علي أن المجلس الأعلى للقضاء يقوم باختيار ثلاث شخصيات لهذا المنصب ويقوم رئيس الجمهورية باختيار أحدهم وهذا لم يحدث وقام الرئيس بتعيين النائب العام دون الرجوع للمجلس الأعلى للقضاء. إن مصر تشهد حالة من الفوضى لم يكن يتوقعها أكثر الناس تشاؤماً خاصة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي خلقت حالة من الاستقرار عقب نجاح الدكتور محمد مرسي. ولكن صدور عدة قرارات غير مدروسة من قبل الحكومة ومن قبل المؤسسة الرئاسية جعلت البعض يشكك في قدرة الرئيس والحكومة علي العبور بمصر إلي بر الأمان خاصة بعد حالة الاستقطاب التي لم تشهدها مصر من قبل. فقد أعقبت قرارات الرئيس موجة اعتراضات كبيرة من بعض القوي السياسية كما حدثت أيضا أفعال غير مسئولة أدت إلي إحراق أكثر من 25 مقر من مقرات حزب الحرية والعدالة وسط غياب واضح لوزارة الداخلية مما أدي إلي وجود احتقان في الشارع المصري. وهناك سببين رئيسيين لوصول الأوضاع لما نحن فيه الآن السبب الأول هو الطريقة التي تعاملت بها مؤسسة الرئاسة مع المعترضين علي القرارات وعلي طرح الدستور للاستفتاء علي صورته الحالية ووصف غير المؤيدين للقرار بأنهم قلة مندسة أو أنهم فلول النظام السابق أو أنهم لا يريدون الاستقرار لمصر. لقد تمت دعوة القوي السياسية للحوار ولكن الدعوة جاءت بعد حدوث الأزمة ولو تمت الدعوة لمثل هذه الحوارات قبل طرح الاستفتاء للدستور لربما كان الوضع مختلف تماماً. السبب الثاني هو تباطؤ وزارة الداخلية في حماية مقرات حزب الحرية والعدالة. فقد كان ذلك سبباً رئيسيا للاشتباكات التي نشبت أمام قصر الاتحادية فقد شعرت جماعة الإخوان المسلمين وبعض مؤيدي الرئيس أن هناك مخطط لخلع الرئيس ومن ثم ذهبوا إلى قصر الاتحادية للقيام بدور وزارة الداخلية بأنفسهم. ومن وجهة نظري فإن هذا التصرف كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، فربما يكون من المقبول أن تقبض الشرطة أو حتى الجيش في هذه الظروف الاستثنائية علي أي مواطن. ولكن من غير المقبول أن يقوم المدنيين بملاحقة مدنيين مثلهم والقبض عليهم. إن هذا الموقف كان يستوجب إقالة وزير الداخلية ومحاسبة كل من تورط في هذه الأحداث سواء اللذين تعدوا بالضرب علي بعض القيادات السياسية من كلا الطرفين أو المتظاهرين اللذين حاولوا اقتحام القصر أو مؤيدي الرئيس اللذين قاموا بهدم خيام المعتصمين ومن ثم حدوث الاشتباكات وكان الأمر يستدعي أيضا القبض علي كل من قام بتهييج وحشد الناس للذهاب إلي قصر الاتحادية أياً كانت انتماءاتهم. ولكن بكل أسف مرت الأحداث دون محاسبة المسئول ومن ثم تتابعت أحداث الشغب وحصار المنشئات الحيوية كمدينة الإنتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية وأنتهي الأمر بحدوث اشتباكات في عدة محافظات ومحاصرة مسجد القائد إبراهيم بضعة ساعات في غياب واضح للأمن ومحاولة حرق مقر حزب الوفد.وما عقبه من احتشاد أمام قسم الدقي. الوضع يتحول من سيئ إلي أسوء ورد الفعل ليس علي مستوي الإحداث، نتمنى أن ترقي ردود الأفعال لتناسب الأحداث الجسيمة التي تشهدها مصر. والسبيل الوحيد لذلك هو محاولة توجيه الخطابات الدينية والسياسية لخدمة قضية الوحدة الوطنية والبعد كل البعد عن التحزب والتعصب لأفكار معينة ولنجعل مصلحة الوطن فوق كل المصالح وليعمل الجميع معاً في المناطق المشتركة والتي يتفق فيها الجميع ويتم طرح المشاكل الخلافية جانباً أو تأجيلها علي الأقل الآن أننا الآن في مرحلة خطيرة جداً من تاريخ مصر ، فبعدما كنا نتحدث عن ضرورة نجاح الثورة أصبحنا الآن ننادي بوحدة الوطن وفك الحصار عن المنشئات ومناشدة الجهات المنوطة بالأمن بالقيام بدورها لحماية المواطنين والمنشئات الحيوية في الدولة. فإما أن نعبر هذه المرحلة بنجاح وإما ستنجرف البلاد إلي نزاعات طائفية قد تؤدي إلي حروب أهلية لا يعلم مداها إلا الله. أسأل الله أن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يؤلف بين قلوب المصريين. *مدرس بكلية الهندسة جامعة الأزهر أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]