في فرح العمدة الذي نصبه عبد اللطيف المناوي بمناسبة الاستفتاء علي تعديل المادة 76 من الدستور، والذي تخللته زفة المعلم أنس الفقي وزير الإعلام، كان عمرو عبد السميع واحدا من الذين شاركوا في الفرح بامتياز، فقد تعامل الرجل كما لو كان يقدم للثورة، لدرجة ان الجاهل يظن ان الشعب المصري خرج عن بكرة أبيه وأمه، الي اللجان الانتخابية، باعتبار ان المناوي، وعبد السميع، وانس، تباروا وتنافسوا في تحريض الجماهير علي الخروج الي اللجان، والي درجة انهم صوروا لنا ان الإدلاء بالصوت في هذا اليوم التاريخي نوع من الجهاد في سبيل الله، يباح للمرأة فيه ان تخرج بدون إذن بعلها، والعبد بدون إذن سيده! لست بحاجة لان أقول انه علي الرغم من ان القوم صالوا وجالوا، الا ان الناس تجاهلت الأمر برمته، وعزفت عن المشاركة في واحدة من المهازل الكبري، وقد اثبت هذا تقرير نادي القضاة، فالذي يعنينا هنا ان عبد اللطيف المناوي تمت مكافأته، قبل ان يرتد إليه طرفه، وتم تعيينه، لانه ابلي بلاء حسنا، رئيسا لقطاع الأخبار بتليفزيون الريادة الإعلامية. وقد تعاملنا مع رفيقه عمرو عبد السميع علي أساس أنها علقة تفوت ولا أحد يموت، فليس من المناسب، ان تتم استضافته كل يوم، او كل برنامج، لكي ينكد علي المشاهدين، باستفزازه لهم، من خلال سعيه الحثيث لان يثبت لمن يملكون مصر ومن عليها، انه عند حسن الظن، والذين اثبتوا ان من يتقرب منهم ذراعا تقربوا منه باعا، ومن أتي الي رحابهم مشيا، أتوا إليه هرولة، حتي يأخذوه في أحضانهم الدافئة! لقد تم ترشيح عمرو عبد السميع رئيسا لتحرير الأهرام ، فأحتج الزملاء هناك، وطالبوا أولي الأمر ان يضعوهم في الصورة عند الاختيار، وكتب سلامة احمد سلامة يطالب ألا تسير التغييرات الصحافية في فلك التقارير الأمنية. وربما شعر القوم أنهم في حيص بيص، فعمرو سابق بالخيرات، ومن الواجب تكريمه، حتي يشعر غيره بالغيرة، ويحدث تزاحم علي باب لجنة السياسات، والتقرب من كبيرها زلفي، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون! واذا كان القوم لم يستطيعوا ان يفرضوا عمرو عبد السميع رئيسا لتحرير الأهرام، لينكد علي ربع مليون قارئ، وربما اكثر، او أقل، فقد فرضوه مذيعا وليس ضيفا وتم منحه برنامجا من بابه حمل اسم حالة حوار ، ويتردد انه سيتم تعيينه رئيسا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهناك من يدفع به الي منصب وزير الإعلام، بعد ان ثبت إخلاصه، وتبين انه مستعد ان يفعل المستحيل في الدفاع عن حزب الحكومة، صاحب الفكر الجديد، وتأكد انه صاحب عقلية معملية فذة، وربما يأتي اليوم الذي نتحسر فيه علي زمن انس الفقي، ونردد المثل القائل: لن يعرف قيمة أمه، إلا من يتعامل مع حرم أبيه ! فمن يتابع حالة حوار يكتشف ان عمرو لديه استعداد فطري لأن يكون عند حسن ظن قادة الحزب الحاكم، فرع لجنة السياسات، وهو يسرف في التقرب والتأييد، ولو تسبب في إصابة المشاهدين بالقولون العصبي، فسيادته، كما الناس، والناس فيما يعشقون مذاهب. فهو لا يستطيع ان يظهر الحياد المصطنع. وربما وجد فيه صاحب لجنة السياسات القدرة علي التأييد بدون خجل ، وهو أمر لم يستطع ان يقدم عليه كثيرون من أعضاء الحزب الحاكم ومحبيه، الي درجة ان هذا الحزب يستعيض بالبلطجية والمسجلين خطر لتعويض عجز الأنصار عن ان يعلنوا تأييدهم له، ولسياساته، عيانا بيانا في مواجهة حركة الشارع المصري! البرنامج، يدشن لسياسة الإعلام المصري في المرحلة القادمة، وإذا كانت التغييرات الصحافية أتت بأشخاص يتبارون في إثبات ولائهم وعضويتهم في الحزب الحاكم، وعلي غير عادة السلف، علي الرغم من ان هذه الصحف من الناحية القانونية يملكها الشعب، وليست مملوكة لحزب الحكومة، فان المرحلة القادمة ستشهد التخلي عن ورقة التوت، ليظهر القوم عوراتهم للناس بدون خجل او وجل، لتنتهي مرحلة الحياد الصوري. وفي الواقع فان المرحلة الجديدة بدأت بيوم الاستفتاء علي تعديل مادة الدستور سالفة الذكر، وما سبق هذا من تمهيد، اشتمل علي تحريض ضد المعارضة، وتخوين دعاة المقاطعة لهذا الهجص ، وهذا هو أحد ملامح الفكر الجديد للحزب الحاكم في عهد لجنة السياسات المبجلة، حماها الله! برنامج عمرو عبد السميع هو تابع من توابع فرح العمدة الذي نصبه عبد اللطيف المناوي، واستضاف فيه عمرو كضيف، وقد اصبح بعد هذا البيت بيته، وأصبح مقدم برامج، ليقدم لنا الحزب الحاكم كما لو كان حزبا حقيقيا، وليس مجرد تجمع لاصحاب المصالح ، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وظهر علي أيديهم الفساد في البر والبحر. وفي بعض الأحيان، يستضيف برنامج عمرو بعض المعارضين من اجل حصارهم وتسفيه أفكارهم والإساءة إليهم، والتطاول عليهم، بشكل لا يستطيع ان يفعله، ليس مع جمال مبارك رئيس لجنة السياسات، وانما حتي مع كمال الشاذلي الذي فقد كثيرا من نفوذه! في الأسبوع الماضي شاهدت حلقة البرنامج التي استضافت ضياء الدين داود رئيس الحزب الناصري، ونعمان جمعة رئيس حزب الوفد، بالإضافة الي بعض رؤساء تحرير الصحف نقاوة لجنة السياسات، والذين كانوا في مقدمة الصفوف الخاصة بالجمهور أو الكومبارس ، وكان عمرو كلما وجد نفسه في (ورطة) نظر الي الكومبارس فيصفقون له بحرارة عمالا علي بطال ، وقد أعاد عرض البرنامج علي القناة الثامنة، وهي محطة محلية، تبث إرسالها من أسوانجنوب مصر، من باب عموم الفائدة او البلوي، فلم يكف جناب المذيع الجهبذ والذين استجلبوه، القناة الرئيسية التي تبث البرنامج، وانما استولوا علي مساحة في قناة محلية، ولا بأس فمن حكم في ماله فما ظلم، والحكومات في العالم العربي وليس في مصر فقط تملك الشاشات الصغيرة، والكبيرة أيضا! مبروك مقدما لعمرو عبد السميع منصب وزير الإعلام، وعقبال الرئاسة.. اقصد رئاسة الحكومة، في ظل الفكر الجديد، فقد تبين انه من القلة القليلة المخلصة لهذا الفكر.. بالمناسبة، ما هو الفكر الجديد، الذي صدعوا به رؤوسنا؟ تغطية أحداث شرم: عودتكم ان أقول للأعور: أنت أعور. ورزقي علي الله. لكن هذا لا يمنعنا من ان نشهد لصالح التليفزيون المصري عندما يحسن، وقد أحسن الا قليلا في متابعة أحداث شرم الشيخ، فلم يمارس سياسة دفن الرأس في الرمال في مثل هذه الكوارث، وهي سياسة متبعة ومعتمدة، لان الحرس القديم الذي كان يسيطر عليه، يتصور ان أسلوب التجاهل في مثل هذه الحالات، يعني ان الكارثة لم تقع أصلا، وقد كان المصريون يهرعون الي صوت أمريكا ، وهيئة الإذاعة البريطانية، ليقفوا علي ما يخفيه إعلام الريادة الإعلامية، هذا في السابق، أما الآن، فقد أصبحت الفضائيات في متناول يد الجميع، فالمقاهي الشعبية تضبط مؤشرات تليفزيوناتها علي الجزيرة و العربية و ابوظبي ، وقناة دبي التي اكتسبت شهرة كبيرة باستضافة برنامج الإعلامي المرموق حمدي قنديل! هذا فضلا عن ان المصريين اخترعوا طريقة الوصلات للتغلب علي ارتفاع أسعار الأطباق اللاقطة، وهي طريقة مكنت كثيرا من الأسر، من اقتناء الفضائيات، والبعد عن البلاهة التي ينشرها تليفزيون البلاد المفدي، والاستخفاف بالعقول الذي يمارسه، وذلك بقيام شركات بسيطة بتوصيل خدمة التقاط القنوات الفضائية عبر دش مركزي ، وهذا لا يكلف كل أسرة الا مبلغا زهيدا كل شهر لا يتجاوز الخمسة دولارات! هروع المصريين الي الإذاعات الأجنبية في السابق، والفضائيات في الوقت الحالي، لم يدفع أصحاب التليفزيون للتخلي عن سياسة دفن الرؤوس في الرمال، ما علينا، فعندما وقعت أحداث شرم الشيخ، فان قطاع الأخبار، استولي علي القناة الأولي، وتابع الموقف، كما ركزت قناة النيل للأخبار علي ما جري ومنذ اللحظة الأولي لوقوع التفجيرات، ونظرا لانه لم يكن هناك، وقتها، مراسلون في شرم، فقد كان الاتصال يتم هاتفيا بشهود عيان، الي ان وصل مراسلون من القناة والقطاع الي موقع الحدث، وقد اجتهدوا في تقديم صورة حقيقية لما جري، وطوال يوم السبت كانت القناة الأولي، وقناة الأخبار، علي خط النار، وتمت استضافة البعض للتعليق علي ما جري بهدف الوقوف علي الجهة الفاعلة، ودوافعها، ولم يقلل من قيمة هذا الا ان نوعية الضيوف، في المجمل، لم تكن علي المستوي المطلوب، لان اختيارهم كان حسب مواقعهم الإعلامية الوظيفية، فتعاملوا علي أساس ان الشاطرة تغزل برجل حمار ، وعوضوا عجزهم عن الفهم، والإدراك، والقدرة علي التحليل، بالهتاف، علي طريقة: يا حبيبتي يا مصر. ومن غير هذه النوعية من الضيوف، المستضافة بحكم مواقعها الوظيفية، تم استضافة جنرالات الغبراء، الذين ذكرونا بالذي مضي، واعني بهم الجنرالات المتقاعدون، الذين قدمتهم الفضائيات قبل سقوط بغداد علي انهم خبراء عسكريون ومحللون جهابذة، والذين أغرقونا في بحور الأمل، لنكتشف في الوقت الضائع، أننا تعرضنا لعملية نصب مكتملة الأركان، وان كثيرا من هؤلاء الفطاحل لم يخوضوا حربا، و علاقتهم بفنون القتال، مثل علاقتنا بها، وعلاقاتنا كما هو معلوم، لا تتجاوز رؤية الحروب فيديو ! ان هذه الاستضافات غير المسؤولة ترجع إما لغبش في الرؤية، او للاعتقاد الجارف لدي القائمين علي الأمر في ماسبيرو، بأن كله عند العرب صابون. وهذا يرجع لأمرين، الأول: هو بسبب القائمة السوداء، التي تحظر استضافة بعض الذين كان يمكن ان يقولوا شيئا عليه القيمة في هذه الأحداث، مثل فهمي هويدي، ومنتصر الزيات، وممدوح إسماعيل. والثاني: شيوع سياسة المجاملات، وهو أمر نتفهمه، لكن في ضوء نسبة معقولة، وإذا كان قانون العمل يلزم الشركات والمؤسسات بتشغيل (2) في المئة من المعاقين، وذلك بالنسبة للعدد الإجمالي للعاملين في كل مؤسسة او شركة، فانه كان من المقبول ان تكون هذه هي النسبة في متابعة حدث كهذا، لا ان تكون الغلبة للمعاقين ذهنيا، لدرجة أننا يمكن ان نذكر اسم ضياء رشوان من بين الضيوف الذين كان اختيارهم في محله، ثم نفكر كثيرا حتي نتذكر اسما آخر، وهكذا! عموما الحلو لا يكتمل، لكن يبقي ان تغطية التليفزيون المصري لأحداث شرم الشيخ في المجمل خطوة في الاتجاه الصحيح.. امسكوا الخشب! ----- صحيفة القدس العربي في 26 -7 -2005