" السفارة الأمريكية فى القاهرة تدرب الصحفيين المصريين على تغطية الانتخابات" هذا هو موضوع الدورة التى بدأت مؤخراً، والتى كان يمكن أن تمر مرور الكرام، ككثير مما يمر فى مصر بلا حس ولا خبر، لولا أن بعض الصحفيين المشاركين فى الدورة انسحبوا احتجاجاً على تكليفهم بأعمال تدخل عادة فى نطاق "الجاسوسية". حيث تم تكليفهم بإجراء أبحاث واستطلاعات ميدانية بين الفقراء سكان الأحياء العشوائية فى القاهرة والإسكندرية، الأمر الذى يخرج بكل تأكيد عن إطار دورة يفترض أنها لتدريب صحفيين لا باحثين اجتماعيين على تغطية الانتخابات لا على القيام بدراسات ميدانية، واحتجاجاً على هذا التكليف "المشبوه" انسحب عدد من الصحفيين المشاركين، ما جعل الدورة كلها تصبح محل نقاش. ومبدئياً، أعتقد أن الأمريكان يعرفون عن الفقراء والعشوائيين فى مصر معلومات أكثر بكثير من تلك التى طلبوا من الصحفيين جمعها، وأن تكليفهم بجمع هذه المعلومات كان اختباراً فى الولاء والطاعة، اختباراً نجح فيه البعض بامتياز، وهؤلاء انتظروهم قريباً جداً فى أرفع المناصب وأكثر المواقع تميزاً، ورسب فيه البعض الآخر على نحو اعتبره جانب منهم تصحيحاً واجباً لموقف تورط فيه، وسينظر إليه الجانب الآخر على أنه فرصة وضاعت وعليه أن يسعى لتعويضها. على أن النظر إلى الدورة من زاوية الصحفيين المشاركين فيها وحدهم يبقى نظرة مجتزأة، فالمفروض أن هؤلاء الصحفيين ينتمون إلى دولة، ذات سيادة وعلم ونشيد، اسمها "جمهورية مصر العربية"، هذه الدولة ستجرى الانتخابات التى أقيمت الدورة للتدريب على تغطيتها، وطبيعى أن تكون "مصر" الدولة المستقلة ذات السيادة والعلم والنشيد هى الجهة المنظمة للدورة، حتى وإن كانت هناك دولة أخرى تمول الدورة، فلا يمكن، ولا يجوز، أن نصبح "ملطشة" يفعل بها كل من هب ودب ما شاء "بفلوسه". والسؤال هو: أين أجهزة الدولة من الدورة وما يجرى فيها؟ هل حصلت الدورة على الموافقات اللازمة؟ إن لم تكن حصلت فتلك مصيبة، وإن كانت حصلت فالمصيبة أعظم، ذلك أننا نكون قد صرحنا للأمريكان ب"اللغوصة" فى أمعاء مصر، سمحنا لهم بالتجسس كما يريدون وحيث يريدون. أيضاً: أين نقابة الصحفيين من الدورة، خاصة والنقابة كان لها موقف مشهود فى مواجهة المنحة الأمريكية لتدريب الصحفيين فى أمريكا، التى أصرت النقابة على إيقافها حين أصر الأمريكان على عدم الالتزام بالقواعد؟ والسؤال: هل كان لنقابة الصحفيين دور فى تنظيم هذه الدورة؟ هل اطلعت على برنامجها؟ منظمو الدورة ادعوا أنهم نسقوا مع النقابة، فهل هذا صحيح؟ وما مدى التنسيق؟ هذه الأسئلة، فى تقديرى، هى المحاور الأساسية لتقييم الدورة وما حدث فيها، خاصة وهى ليست حدثاً منفرداً، لكنها مجرد "قناة" ضمن "شبكة" متكاملة تسعى أمريكا إلى استكمالها، شبكة تغطى كل نقطة تهم الأمريكان فى مصر ولا تمر بالسلطات المركزية. شبكة تسعى للامتداد مباشرة إلى المحافظات والمحليات والجامعات بدون الرجوع إلى الوزارات والقيادات المسئولة. وكأننا إحدى جمهوريات الموز التى يتخذ الوجود الأمريكى فيها شكل "التغلغل"، والتى ترتبط شبكات الكمبيوتر فى بعض عواصمها بواشنطن مباشرة، فهل تنوى مصر التوسع فى زراعة الموز مستعينة بالمنح والقروض الأمريكية؟