لا يحبذ الكثير من المفكرين وعتاة المحللين إلصاق (نظرية المؤامرة) بالأحداث الجسام التي تصيب الخاصة والعوام وهم يفضلون إرجاع الأسباب إلي سوء إدارة الصراع وحل طلاسم النزاع، وفي رأينا أنهم في الثانية محقون لكن في الأولي مخطئون، فالأمة العربية تعيش في (عالم من المؤامرات) منذ أن التحفت بالمرجعية الإسلامية أو نادت بدعوتها القومية. وإذا أخذنا مصر المحروسة كمثال نجد أن إستيلاء العثمانيين علي مصر جاء بمؤامرة (شراء بعض المماليك والاتفاق علي السلطان الغوري وابن أخيه طومان باي)، وتتويج محمد علي الألباني حاكما مطلقا علي مصر المحروسة جاء بمؤامرة(1)، وتوريط مصر في الديون في عهد إسماعيل تمهيدا لفرض الوصاية عليها جاء بمؤامرة، ولعبة الكراسي الموسيقية بين أفراد أسرة محمد علي جاءت بمؤامرات، وهزيمة عرابي في التل الكبير جاءت بمؤامرة، وحركة يوليو التي تحولت إلي ثورة (بالتعريف) جاءت بمؤامرة علي النظام الملكي القائم، وحرب 1956 جاءت بمؤامرة، ونكسة 1967 جاءت بمؤامرة، وتتويج السادات نائبا فرئيسا للمحروسة رغم كثرة المأخذ وتعدد المثالب جاء بمؤامرة، وسرقة نصر أكتوبر 1973 الذي كان قاب قوسين أو أدني جاء بمؤامرة، وثغرة الدفرسوار جاءت بمؤامرة، ومعاهدة السلام التي حيدت مصر عن جسدها العربي ونزعت سلاح سيناء وفرضت عليها الوصاية الإسرائيلية والأمريكية جاءت بمؤامرة، واغتيال السادات جاء بمؤامرة (تنفيذ مصري وإخراج أمريكي طبقا لتصريحات وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل)، وبالتالي فمجيء فخامة الرئيس الحالي جاء بمؤامرة بالتبعية (!!)، وتوريط العراق في غزو الكويت عام 1990 (وهو حدث ذو علاقة مباشرة بمصر) جاء بمؤامرة (ما ألمحت أو صرحت به السفيرة الأمريكية إلي القيادة السياسية العراقية بأن موضوع الكويت هو شأن داخلي الأمر الذي تم اعتباره ضوء أمريكي أخضر)، وغزو العراق واحتلالها جاء بمؤامرة، وقتل عرفات وإزاحته جاء بمؤامرة، وما يحدث في فلسطين الآن لتصفية القضية يجيء بمؤامرة، وانتشار المخدرات بين الشباب المصري واستخدام مسببات الأمراض كالأغذية الملوثة والمعالجة وراثيا والمبيدات المسرطنة وتفشي البطالة وضحالة التعليم وتدني الثقافة والتهميش السياسي وغرس مفاهيم العلمانية في الموروث الديني المصري وتقويض صرح الأخلاقيات المحافظة بالإباحية والميديا الجنسية وغيرها وغيرها يجيء بمؤامرة، وأخيرا وليس أخرا فإن تفجيرات شرم الشيخ الأخيرة وهي ما يطلقون عليها مدينة السلام ومنتجع الخاصة دون العوام واستهداف المقر الرئاسي المصري وفندق غزال بما يحمله من رمزية لملكيته لشخصية سلطوية هي مؤامرة. والمؤامرة (Conspiracy) هي عملية غير قانونية أو غير أخلاقية من فرد أو اتفاق من مجموع علي فرد أو علي مجموع بهدف إيذاء الطرف المتآمر عليه أو/و فائدة للطرف المتآمر أو المتآمرين. والجدير بالذكر أن القانونية أو اللاقانونية والأخلاقية أو اللاأخلاقية هي عملية (نسبية) في غياب المرجعية (!!)، فما يراه زيد أخلاقيا وقانونيا قد يراه عبيد غير أخلاقيا وغير قانونيا. وكمثال، فإن ما قامت به حركة الضباط في يوليو 1952 هو عملية لا قانونية ولا أخلاقية من وجه نظر النظام الملكي والتابعين بينما هو قمة القانونية والشرعية والأخلاقية بل والدينية أيضا من وجه نظر المتضررين والغاضبين والثائرين. عموما قبل أن نعود إلي حادثة شرم الشيخ نتطرق إلي ما المحنا إليه في المقال السابق(2) الذي لم يكن من الحكاوي أو غناوي القهاوي، ونعيد بعضا مما قلناه ففي الإعادة قد تكون الإفادة: 1 - ماذا حدث في اجتماع السادات وريجان في نهاية ربيع 1981، ولماذا أحس السادات بأن الأمريكان يقارنونه بشاه إيران؟؟، والأهم والأخطر .... لماذا قرر السادات بعد عودته القيام بعملي تغيير جذرية في السلطة المصرية، أهمها تغيير (السيد نائب رئيس الجمهورية)، وهو الأمر الذي كان يعلمه الفريق كمال حسن علي (وزير الخارجية في ذلك الوقت)، وتأجيله لذلك القرار حتى نهاية احتفالات أكتوبر (!!!؟؟؟)، وهل تم إلغاء الحماية الأمريكية فعلا السابق توفيرها للسادات طبقا لمباحثات فك الارتباط الأول في نوفمبر 1973 ؟؟؟؟؟ (وهو الخاص بتعهد الولاياتالمتحدةالأمريكية بتحمل مسئولية أمن السادات وأمانة علي المستويين الشخصي والعام). 2 - هل أحست الولاياتالمتحدة بانتهاء دور السادات وخاصة بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي أوضحت بجلاء خروج (مصر) من معادلة القوة بالمنطقة ؟؟؟، (ومن ثم أصبح عبئا عليها لا داعما لها). 3 - لماذا تم تتويج (مبارك) علي عجل وعدم الانتظار لانقضاء المهلة القانونية بعد اغتيال السادات، وهو الأمر الذي عارضة الكثيرون أمثال الفريق كمال حسن علي ؟؟؟؟. ولماذا تم إخلاء سبيل أحد المتهمين الرئيسين في قضية اغتيال السادات، وهو المتهم بتسليم (ابر ضرب النار) للمتهمين المشاركين في العرض العسكري ثم اختفاءه (حديث لطلعت السادات). 4 - في الفترة الأخيرة، لماذا رفضت واشنطن استقبال (جمال مبارك) أو (مبارك نفسه) لعرض وجهه نظر السلطة المصرية في مشكلة الديموقراطية وبرامج الإصلاح السياسي المقترحة في مصر رغم أن مبارك قد قدم للأمريكان كل ما طلبوه بالمنطقة. ولماذا تم استقبال نظيف (وديا) وليس رسميا وخاصة من قبل نائب الرئيس الأمريكي (تشيني) والرئيس الأمريكي نفسه ؟؟؟؟ - وهو الأمر الذي تغيب فيه (التسجيلات الرسمية الأمريكية)، أي أن هناك أمور يراد إخفاءها وعدم إعلانها أو حتى تسريبها (!!!!!!). والمتأمل لمجموعة الأحداث الأخيرة، منذ أن أصبحت أمريكا دولة شرق أوسطية (!!) أي أصبحت في الجوار وفي قلب الديار، يلاحظ الآتي: 1 – تدني الدور المصري عربيا وإفريقيا نتيجة ترددها وسوء إداراتها، فهي تتقاعس في الوقت المفروض عليها التدخل (السودان كمثال) وتتدخل في الوقت المفروض فيه التباطؤ أو حتى التقاعس (أخلاقيا في المشاركة الأمنية والمخابرتية في استجواب واستضافة المعتقلين الإسلاميين والعراقيين في سلخاناتها الدموية، وسياسيا في موضوع السفير المصري بالعراق، ومخابراتيا في (اللغوصة) بقطاع غزة !!!). 2 – فشل سياسة الإصلاح الاقتصادي المصري لأسباب عديدة منها عدم تأهيل الكوادر القائمة بالإصلاح لإتباع سياسة تولية أهل الثقة وتهميش أهل الخبرة، ومنها تفشي حالات النهب العام، ومنها ضعف قبضة القمة الرئاسية لمرضها ووهنها وتجاوز صلاحيتها البيلوجية الطبيعية، ومنها الفوضى المنتشرة لتعدد قوي ومراكز اتخاذ القرار، ومنها إنهاك النظام المصرفي لسرقة رؤوس أمواله (وهي مدخرات فقراء المصريين والطبقة الوسطي)، ومنها الدخول في مشروعات إستنزافية ضعيفة الجدوي (توشكي كمثال)، ومنها إيثار مصلحة العائلة المالية علي المصالح الوطنية (اللعب في البورصة !!!)، ومنها السياسة الغبية في بيع القطاع العام دون إنشاء بديل قوي إحلالي، ومنها ضعف الاستثمارات الجدية العالمية واقتصارها علي استثمارات المغامرين والأفاقين، ومنها رواج تجارة المخدرات في الشارع المصري واستنزافها للعملة الأجنبية، ومنها غياب الرقابة والمحاسبة عن رجالات المال والأعمال وتحولها إلي مجاملات ومشاركات بصفتهم طبقة (إوليجاركية) منتفعة نفعية، ...الخ. 3 – الاحتقان الشعبي السياسي المتصاعد ضد السلطة المصري وما ينعكس بالتالي من بغض وكراهية علي الولاياتالمتحدةالأمريكية بصفتها الداعم الأول للنظام القائم. 4 – الحرج المتزايد للإدارة الأمريكية أمام مرجعيتها الرقابية والأخلاقية (مبادئ الدستور الأمريكي، الكونجرس، الرأي العام والإعلام) جراء ممارسات السلطة المصرية الديكتاتورية التسلطية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان بممارساتها الأمنية البشعة واستيلاء الأسرة الحاكمة علي أموال شعبها والتربح من وراء سلطتها الرئاسية (وهو ما نشرته العديد من الصحف والمجلات الأمريكية) وبصفة أمريكا هي الداعم الأول للسلطة المصرية الحاكمة. 5 – ترجيح أطروحة (أن أسباب إرهاب ما يسمي بالإسلامي في العالم مرجعة ديكتاتورية واستبداد السلطات الحاكمة في الدول العربية) في الفكر الأمريكي، وبأن الولاياتالمتحدة مسئولة سياسيا وإداريا وليس مجرد أخلاقيا عن سوء سياستها الداعمة للدول الديكتاتورية العربية بغية الاستقرار والاستمرار، فلا هي حصلت علي ديموقراطية حقيقية ولا هي حصلت علي استقرار (!!)، ومن ثم تحميل السياسات الأمريكية السابقة والحالية بعض من مسئولية ما تعرضت له بلادها في 11 سبتمبر وما تتعرض له أوربا والعالم أجمع الآن. 6 – وأخيرا وليس أخرا، فإن الولاياتالمتحدة قد حصلت من السلطة المصرية الحالية علي أقصى ما تستطيع وعلي كل ما يمكن استنزافه منها ومن ثم تحولت إلي (عود قصب) ممصوص معصور، أي أنها باتت تشكل عبئا أكثر من فائدة مرجوة، وبلغة البيزنس في بلاد البيزنس تحولت السلطة المصرية إلي (مشروع فقد جدواه)، أي أن تكاليف دعمه ومساندته باتت أكبر كثيرا من العائد المرجو منه. تماما كما حدث للسادات في ربيع عام 1981، ولم يفهم السادات الرسالة، بل قل فهمها لكنه عاند وكابر بشخصيته الفرعونية المتعالية فكان الخلاص منه بأغرب طريقة درامية (!!)، وكما قال النبوي إسماعيل (وزير الداخلية الأسبق أبان السادات): بتنفيذ مصري وإخراج علي الطريقة الأمريكية. ومن الواضح بعد الإعلان الأخير لمبارك عن ترشيح نفسه لولاية خامسة (77 إلي 83 عاما)، وعن تقديمه لمشروع هلامي عن إصلاح سياسي ديماجوجي مقترح، أغفل فيه مؤسسة القضاة ويلوح فيه مشروع (تأبيد) قانون الطوارئ، أنه قد صم قلبه قبل آذانه عن صيحات الرفض الشعبي له ولسياساته الواهية الواهنة وأنه لم يتفهم رسالة (شرم الشيخ) الداخلية والخارجية (!!!!!) وهو الأمر الذي ينبئ بسيناريوهات مستقبلية عديدة منها مشهد منصة 1981 كمثال (!!). ودفع البلاد إلي دائرة ظلامية مجهولة الهوية. أما أسباب دفع مبارك للتشبث بالسلطة (!!) فهو معروف ومكشوف وإن كان الكثيرون من الكتاب المستقلين يتحرجون في الإفصاح عنه وهو (الحفاظ علي مكتسيات العائلة المالية)، ولكن إلي متي وبأي ثمن (!؟). ************************ (شرم الشيخ) أزمة ونذير لنكبة : صدر منذ أسبوعين تقريبا مقال للمستشار السياسي لرئيس الجمهورية، د. أسامة الباز، بعنوان "الوصايا العشر، حتى لا يندم بعد هذا احد"، تطرق فيها إلي مجموعة من السمات والصفات التي يجب أن يتسم بها من يفكر في ترشيح نفسه لرئاسة جمهورية مصر العربية وباعتبارها من المقومات الأساسية. وقام العديد من الكتاب بتحليل مقولات د. الباز وإسقاطها علي شخص رئيس البلاد وكانت النتيجة الذي تجرأ في إعلانها معظم من تطرقوا إلي الموضوع هو عدم انطباق أي منها علي فخامته رغم طول مدة رئاسته (!!). وما يهمنا هو ما أورده الباز في النقطة السابعة من وصاياه وهي: أن تكون له خبرة معروفة في مجال "إدارة الأزمات"، فلا يمكن أن تكون أي دولة مهما أوتيت من قوة محصنة ضد الأزمات أو الكوارث الطبيعية أو البشرية (كالإرهاب والانخراط في نشاط مؤثم علي مستوي واسع)، ولذلك يصبح ضروريا أن يكون رئيس الدولة قادرا علي مواجهة هذه الأزمات بأسلوب حاسم قاطع، بعيدا عن التردد والخوف والجمود، وحتى إذا دعت الضرورة في بعض الأحيان لتكليف مجموعة من الخبراء بعقد اجتماعات متصلة لبحث طبيعة الأزمة والأسلوب أو الأساليب المقترحة لاحتوائها ووقاية المجتمع من أضرارها، فإن القرار الحاسم يظل في النهاية من اطلاقات رئيس الدولة أو ما يطلق عليه فقهاء القانون تعبير His Prerogatives، (يقصد الباز بها الإمتيازات) . وفي رأينا أن استخدام د. الباز لمصطلح (إدارة الأزمات)، وهو من المصطلحات الفخيمة عالية القيمة، أتت في مقاله بهدف شدّ من يقرأها وخضّ من ينقدها، فما أتي به في السياق هو اٌقرب لمصطلح (مشكلة) بالعموم وليس (إدارة الأزمات) بالخصوص، علما بان كل أزمة مشكلة ولكن ليست كل مشكلة أزمة، أي أن (الأزمة) هي نوع خاص من المشاكل لها سماتها وخصوصياتها التي تظهر في ثلاثة أبعاد أساسية هي (النطاق، القوة، الزمن) وقيمها هي (الإتساع، شدة التأثير، الطول الزمني)، إضافة إلي أن التعامل مع الأزمة ليست كما أورده د. الباز في عموم وتبسيط الأمر الذي نفي عن (الأزمة) ما تتسم به من خصوصية تفردية (Uniqueness). والأزمة في بلد ما هي مشكلة طارئة مفاجئة شديدة القوة متسعة النطاق تحتاج لفترة طويلة لعلاجها والعودة بالبلاد لأصلها (Recovery). والأزمة معقدة مركبة (Compound) تحتاج إدارتها لمراحل عدة، تبدأ بمرحلة النذائر وهي كأعراض الأمراض، ثم مرحلة الإدارة الوقتية للخسائر في حالة الفشل في تلافي وقوع الأزمة (Damage Control)، وثالثهما العلاج (Recovery) ثم الانتقال للمرحلة المزمنة (Chronic)، وأخيرا مرحلة التعلم من الأخطاء بعد الشفاء للحماية المستقبلية والإتقاء. والجدير بالذكر أن الأزمة إن لم تعالج تتحول لنكبة (Disaster) وهو خراب يعم أرجاء البلاد ويؤثر علي معظم العباد. وقبيل التطرق إلي مرحلتين أساسيتين من أزمة (شرم الشيخ) وهما مرحلة (النذائر) التي فشلت الإدارة المصرية في قراءتها، ومرحلة (إدارة الخسائر) التي أتسمت بالتسويف والتسييس ومحاولة تحويلها إلي فائدة شخصية للسلطة الحالية أكثر منها لحماية المصالح المصرية، نذكر النقاط الأساسية الآتية: 1 – تتنوع جهات الحماية عن قلعة (شرم الشيخ) الرئاسية ولما فيها أيضا من أصول استثمارية لشخصيات سلطوية منها: أمن الدولة (الداخلية) والمخابرات العامة والأجهزة الأمنية والإستخبارية لرئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية والإستخبارية العسكرية وأخيرا وليس أخرا الشركات الأمنية الخاصة. 2 – بالنسبة لحجم العملية وأدواتها ننوه بتفرد الأخ (صلاح بديوي) بصحيفة الشعب الإلكترونية، فهو الوحيد الذي ذكر ضلوع أربعة سيارات مفخخة في العملية وهو ما تم الإعلان عنه رسميا لاحقا مع استثناء بأن أثنين منهما قد تم تفجيرهما في العملية والباقيان قد تم إبطال مفعولهما. 3 – حجم العملية وتوقيتها ودقة تنظيمها، وأيضا طبيعة مسرح عملياتها، ووقوعها في المنطقة (ج) من سيناء ذات القيود المفرطة في اتفاقية السلام يشي بمجموعة من الحقائق البديهية: أ – استحالة أن تكون العملية (محلية) خالصة فهي أكبر من إمكانياتها. ب – استحالة أن تكون العملية أجنبية خالصة لوعورة المنطقة وطبيعتها الطبوغرافية. ج – هناك احتمالات بقصور أو (تورط) جهات من المذكورين في البند رقم (1)، وهو الأمر الذي يفسر الإبقاء علي (العادلي) ولم يتم إقصائه كما حدث في حادثة الأقصر. د – الاحتمال الأكبر لهوية الجهة المنفذة هي كونها (جهة خارجية مدعومة بعناصر داخلية). 4 – عرض الموضوع علي (الأممالمتحدة)، وقيامها بعقد جلسة (مغلقة) لبحث الأمر، هو محاولة (مصرية ذكية) لمحاولة فضح الجهات الدولية الخارجية المتورطة في الحادث وفضحها وإرسال رسالة غير مباشرة لها (!!!!). ما هي أعراض أزمة (تفجيرات شرم الشيخ) التي فشلت السلطة في قراءتها ؟؟؟. أولا: بالنسبة لبدو سيناء (والاحتمالات العالية بالضلوع في الحدث بطريقة ما): 1 - الاحتقان المنتشر بين عشائر وقبائل بدو سيناء، للفشل الأمني والسياسي في قراءة طبيعة الشخصية البدوية، والتي تختلف كليا وجذريا عن طبيعة الشخصية الريفية سواء أكانت في وجه بحري أو في وجه قبلي (الصعايدة)، ولما تسبب عنه هذا الفشل في التجاوزات الأمنية المعتادة بتطبيق سياسة "توسيع دائرة الاشتباه" (يقدر العدد من 3000 إلي 4000 معتقل بسبب تفجيرات طابا طبقا لتقارير بعض منظمات المجتمع المدني و حقوق الإنسان)، وممارسة أبشع أنواع التعذيب في سلخانات المقرات الأمنية كالمعتاد، وباعتقال الحريم (سيدات وبنات) لإجبار المطلوبين علي تسليم أنفسهم، وبالاستخدام المفرط للقوة الغاشمة لقمع المظاهرات الاحتجاجية السلمية من أهل المعتقلين وخاصة النساء (قمع مظاهرات نساء العريش الاحتجاجية). وهو الأمر الذي تمت ترجمته إلي خلق (ثأر) بين قبائل وعشائر سيناء والسلطة ممثلة في جهازها الأمني. 2 – تصاعد الشعور الديني والأخلاقي الرافض لمظاهر الانحلال: يتميز أهالي سيناء بالتدين الفطري والتمسك بالقيم والأخلاقيات باعتبارهم منحدرين من قبائل عربية ذات موروث أخلاقي ملتزم ومن ثم فهم رافضون لكافة الموبقات التي تزخر بها القرى السياحية المنتشرة علي ساحل البحر الأحمر من طابا إلي شرم الشيخ وبمسافة أكبر من 200 كيلومتر، وخاصة بعدما تردد من افتتاح (صالة إستربتيز) بأحدي القري السياحية. النقطة الثانية هي مشاركة أو تورط بعض شباب سيناء في أنشطة تلك القري السياحية وخدمة السائحين (الخمور – المخدرات – الإمتاع الجنسي بالمقابل المادي للشواذ والنساء كبار السن)، وهو الأمر الذي يراه حكماء القبائل والعشائر مصدرا خطرا علي شبابهم وأخلاقهم وقيمهم. والنقطة الثالثة تتمثل في الإحباطية التي انتابت المجتمع السيناوي بعد التحرير، فسيناء تم احتلالها في الفترة الناصرية، وهي لم تكن علمانية إباحية بهذا الشكل المفرط الآن، ومن ثم فأخر حالة اجتماعية مصرية عاصرتها سيناء كانت تتميز بالالتزام والأخلاقيات. وأثناء الاحتلال كان هناك محاولات إسرائيلية لمراعاة الشعور الديني والاجتماعي للاستقطاب، رغم حالات الانفلات، وبعد التحرير فوجئ المجتمع السيناوي بالانفلات الديني و الأخلاقي المتصاعد والذي بلغ أوجهه في فترة مبارك (لحركة الاستثمار المتزايدة في منتجعات سيناء، ولطبيعة السلطة العلمانية اللادينية) والذي يعتبر أشد وأفظع مما كان عليه الوضع أبان الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي سبب الإحباطية في النفس المحافظة السيناوية بعد ابتلائهم بفظائع الانحلال بعد متاعب الاحتلال. 3 – الاحتقان السياسي العام، وباعتبار أن أهالي سيناء جزء لا يتجزأ من الشعب المصري. فما يحدث من مظاهرات واحتجاجات في العاصمة والمدن الكبرى المصرية يكون له تأثيره وصداه بين القوي الشعبية السيناوية الوطنية. ثانيا: بالنسبة للوضع الإقليمي والعالمي المتفجر: 1 – الشعور الغاضب، المصري بالخصوص والعربي بالعموم، من السياسات المصرية في فلسطين والعراق. 2 – تكفير الجماعات الإسلامية للسلطة المصرية وحل دمها ودم العاملين معها. 3 – تصاعد نشاط الجماعات الرافضة للهيمنة الأمريكية وبالتالي لمن هم في معيتها وتحت سيطرتها (العراق – لبنان – فلسطين – السعودية). 4 – تصاعد النشاطات الإستخبارية في المنطقة (العراق – لبنان – فلسطين – سيناء !!!). 5 – الصراع التنافسي الاقتصادي المصري الإسرائيلي وخاصة في مجال السياحة. 6 – مفردات ما يسمي بالفوضى الخلاقة الأمريكية، والتي يمكن أن تتعدي العاصمة. 7 – الخواء الطبيعي الملازم لمرحلة الانتقال السياسي، حتى لو كان لنفس السلطة الرئاسية. 8 – وأخيرا وليس أخرا ... ضبابية الموقف الأمريكي الذي هو اقرب إلي (عدم الرضا) عن المنظومة الرئاسية المصرية للأسباب الواردة في الموضوع الأول من المقال. كيف أدارت السلطة المصرية مرحلة (Damage Control) من الأزمة ؟؟؟ كبداية نقول أن العلماء المختصون يعتبرون الأزمة هي (فرصة للأحسن أو لأسوة)، ومن هذا المنطلق أجادت كوادر السلطة العلمية تقديم المقترحات والتوصيات إلي السلطة الرئاسية بحسن الاستفادة من هذه الأزمة (محليا ودوليا) وخاصة في هذه المرحلة الحرجة للدعم والتأييد وضمان الاستمرار الآمن لمرحلة قد تكون أكثر ملائمة للسلطة الحاكمة، ولهذا نجد أن أعمال السلطة المعلنة (فالخفية الله أعلم بها وإن كان يمكن استقراء معظمها) تمثلت في الآتي: 1 – محاولة الاستفادة من موجة أو (مودة) الإرهاب السائدة، وخاصة بعد إنفجارات لندن، بإلصاق التهمة بالتطرف الإسلامي والشذوذ الإجرامي لكسب التعاطف العالمي والمحلي. 2 – تجيش المشاعر العاطفية وإثارة الانفعالات الوجدانية للشعب المصري كنوع من (التسول العاطفي) لكسب تأييد الشعب والعمل علي نسيانه (المؤقت علي الأقل) لجرائم السلطة وطغيانها. 3 – القيام بحملة اعتقالات بين الشباب والرجال في سيناء وصلت إلي 120 (طبقا للبيانات الرسمية)، وعند مقارنتها بإعتقالات أحداث طابا (3000 إلي 4000) يقول الساخرون العالمون ببواطن الأمور أنه لم يعد هناك في سيناء من يعتقلونه (!!!!!). 4 – دعوة مجلس الأمن الدولي لمناقشة موضوع الإرهاب، وهو في رأينا سابقة دولية ليس لها معني أو مغزي إلا الاعتراف الضمني المصري بضلوع قوي دولية مؤثرة متورطة في الحادث يراد إحراجها وإرسال رسالة لها. 5 – الدعوة (المحرجة) إلي عقد قمة للدول العربية في شرم الشيخ (مكان الحدث) يوم 3/4 أغسطس الحالي، لاستعادة مصداقية القوة الأمنية أمام العالم وكنوع من أنواع البروباجندا الدعائية، وبدعوى بحث الشئون العربية (الانسحاب الإسرائيلي من غزة طبقا لتوصية عمرو موسي). ونعتقد بأن المؤتمر (إن أنعقد !!!!) سيأتي باهتا ضعيف التمثيل. محاولات تسييس عملية (شرم الشيخ) لصالح السلطة الحاكمة وعدم قراءة الأسباب الحقيقية (الداخلية والخارجية) وراء الحدث، وغياب ضمير السلطة السياسي وتتويج فرعنتها ونرجسيتها بإعلان ترشيح الرئيس (مبارك) نفسه لولاية خامسة في احتفالية هي أقرب للعائلية، وفي حضور ولي عهده والسيدة حرمه، هي نذائر لنكبة قادمة ستشهدها المحروسة قد تكون أشد وبالا من تراجيديا المنصة 1981. وإذا كان الإعلان قد جاء من مدرسة (المساعي المشكورة) بمحافظة المنوفية في رمزية ذات معني ومغزى، فلا نملك إلا أن نقول للآملين والطامحين في إصلاح سياسي قريب من حزب الحاكم (وليس الحزب الحاكم) ... سعيكم مشكور حتى تتضح الأمور(!!)، وربنا يستر. وللحديث بقية إن كان لنا في العمر بقية الخميس 28 يوليو 2005 م __________________________________________________________________________ (1) نصدق تماما ما جاء في حديث هيكل عن دعم القنصل أو السفير الفرنسي لمحمد علي ومساعدته في القفز علي السلطة مقابل رشوة من الآثار المصرية، بالإضافة إلي مصداقية هيكل وما عرف عنه في تحري المصداقية حفاظا علي تاريخه نجد أن النفوذ الفرنسي لم يكن يستهان به في تلك الفترة في مصر إضافة إلي ظهور التعاون اللاحق بين فرنسا ومصر الذي يؤيد هذه العلاقة:إنشاء مدرسة الهندسة ومدرسة الحربية وأعمال التصنيع الحربي وإرسال البعثات المصرية إلي باريز .. الخ. (2) هشام الناصر - فيلم سياسي، كلاكيت ثالث مرة – الشعب القاهرية ومصريون بلا حدود وشبكة الآن الثقافية السياسية، الجمعة 22 يوليو 2005. * [email protected]