لأول مرة فى تاريخ الاستفتاءات فى مصر تخوض "لا" معركة مستميتة ضد "نعم"، ليس حول الرفض أو الموافقة على الدستور الجديد فقط، وإنما لحسم الشعبية هذه المرة فى صناديق الاستفتاء بعد أن حسمت فى الشوارع والميادين لصالح "نعم" لابد أن نعترف بأنه يوجد فى مصر الآن "لا" جديدة تتحدث بلغات عديدة لها أنصار ومريدون ملأوا الشوارع والميادين وأصبحوا بالفعل قوة لا يجب الاستهانة بها، لكن هل "لا" الجديدة قادرة على إلحاق الهزيمة ب"نعم" وهى التى لم تعرف الهزيمة منذ تطبيق بدعة الاستفتاء فى مصر؟.. ولابد أن نعترف أيضا بأن هناك ميزة استثنائية تحصل عليها نعم مقدما ودون أن تبذل أدنى جهد.. فالتصويت فى الاستفتاء غير التصويت الانتخابى يجرى فى العادة بين الاستقرار واللااستقرار.. وهنا وللإنصاف تقول إن هناك إخلالاً بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين "لا" وبين "نعم"، فالسبب بطبيعته المسالمة يريد الاستقرار وبالتالى فهو ينظر إلى "نعم" على أنه فى كل الأحوال تحقق الاستقرار.. فضلا عن أن "نعم" محظوظة بسلاطة لسان "لا" التى اعتادت على توجيهات اتهامات ل"نعم" بأنها تستقطب البسطاء فى المساجد وتفوز بالزيت والسكر دون أن تدرى "لا"، أنها وجهت إهانة للناخب الذى كان من المفترض أن تراهن عليه ليقول "لا" للدستور الجديد.. أزمة "لا" الحقيقية أنها مصابة بجنون الارتياب وهى تتلقى الصفعة وتلو الصفعة وبدلا من مواجهة حضارية مع "نعم" فإنها تعلن قبل الاستفتاء أن الاستفتاء مزور ودون أن تدرى فإن "لا" هى التى تعلن هزيمتها بنفسها قبل بدء الاستفتاء مع ملاحظة أن معظم الصفعات التى تلقتها "لا" تجرى بيديها أكثر مما تجرى على يد غيرها.. وإذا كانت "نعم" محظوظة أيضاً بقيادات عاقلة وحكيمة فإن "لا" قد نكبت برموزها وعلى وجه الخصوص بعض رجال القضاء الذين لم يكتفوا بالتحريض العام للقضاة على عدم الإشراف على الاستفتاء، وإنما وصلوا إلى أبعد مدى فى طلب الحماية الأجنبية والتهديد بالتدويل لقضية الدستور حسب ما أعلن المستشار عبد الله فتحى نائب رئيس محكمة النقض وهى أعلى هيئة قضائية فى البلاد.. هو يطلب الحماية من دستور الإسلاميين الذى حول الدولة المدنية المصرية إلى دولة دينية يقودها مرشد الإخوان.. فى نفس الوقت أعلن نجيب جبرائيل مستشار الكنيسة الأرثوذكسية رئيس الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان أن الكنيسة تدرس جديًا مقاطعة الاستفتاء لأن الاشتراك فى هذا الاستفتاء يعتبر اعترافاً صريحاً بجريمة مكتملة فى حق الوطن.. ونجد الأهم أنه أعلن أنه قام بإرسال خطاب للمجلس الدولى لحقوق الإنسان يطالبه فيه رسميًا باتخاذ إجراءات من شأنها التصدى لهذا الدستور الذى يهمش بشكل واضح الأقليات ويقيد الحريات.. وفى النهاية، لا أعتقد أن أحداً يختلف على أن الدستور سيفوز ب"نعم" وسيوافق عليه الشعب بأغلبية.. لكن الخلاف سيكون على نسبة الفوز.. وهل سترتفع إلى نسبة 80% أم تتراجع إلى 60%.