ظلت الأم تنصح ابنائها الكبار أن يراعيا أخيهما المولود حديثا ..فهو صغير ويحتاج لعناية فائقة ..ومن قبل ..تعبت الأم كثيرا في ولادة ذلك الصغير ..لكن فرحتها العارمة به أزالت أي آلام لذلك المخاض الصعب ..وداومت الأم الحنون على نصحهما بأن يهتما بمساعدة الصغير على شق طريقه في الحياة , فهذا حقه عليهما وواجبهما نحوه , لكن الكبار اللذان كان يسير كل منهما في طريق عكس الآخر , لم يستمعا لنصح أمهما , لم يكن يشغلهما سوى اثبات كل منهما للآخر أنه الأجدر برعاية الصغير ..وأن طريقته هي المثلى . و بينما كان الأخ الأكبر هو الأرجح عقلا والأمهر في الحياة وصاحب الخبرة الطويلة ..وكان يعمل بكد ويجني الكثير من الأرباح والتي كانت هي المصدر الأساسي لسداد كل حاجات الرضيع , وكان هو يفخر دوما بذلك , ويعود للبيت كي يستعرض ما حصل عليه من أموال , جناها بفضل كده وعرقه , ازداد في تلك الأثناء حقد الأخ الأصغر عليه , بعد أن تأكد من أن مهارته المحدودة وعقله الضيق لن يمكناه أبدا من الحصول على مثل تلك المكاسب التي يجنيها أخيه الأكبر..والتي تمكنه من الإنفاق على الصغير وشراء متطلباته وبالتالي كسب ود و رضا أمه . ويزداد الأكبر ثقة بذاته واستهتارا بمن حوله , فهو لا يرى عقلا يستحق أن يثق به سوى عقله هو ..ولا صوتا يستحق أن يستمع إليه غير صوته , حتى نصحته أمه ألا يترك -في غمرة نشوته بمكاسبه -أمواله ملقاة على الأرض , لئلا يبتلع الرضيع واحدة من تلك العملات المعدنية فيختنق بها , ولكن الكبير ظل مصرا على أن من حقه أن يضعه أمواله ومكاسبه في أي مكان بالبيت , فالبيت بيته و الأموال من كده وعرقه , حاولت الأم أن تفهمه أنه ليس كل حق لنا قد أتى وقته كي نحصل عليه , ويجب علينا أن نراعي أن هناك رضيع قد يتأذى من حقوقنا تلك , وحدث ما توقعته الأم ..والتقم الرضيع أثناء حبوه واحدة من تلك العملات , ووضعها بفمه , ورآه الأخ الأصغر وهو يفعل ذلك , فسارع إلى سقايته ماء , لتعلق العملة المعدنية أكثر وأكثر في حلقه الصغير , ولم تتمالك الأم نفسها وهي ترى ابنها الرضيع وفلذة كبدها وهو يختنق , و يصارع الموت أمام عيناها , ظلت تصرخ في ابنائها الكبار , من استمعوا لنصحها ولم يعملوا به , و بدلا من أن يحاولا إنقاذ الأخ الرضيع ..الذي لا حول له ولا قوة ...بدأ الاثنان يتشاجران , فالأصغر يتهم الأكبر بالاستهتار والكبر واللامبالاة..وأنه هو السبب فيما أصاب الرضيع , بينما الأكبر يصف الأصغر بالغباء والحقد و الإنتهازية و الرغبة بالانتقام , ويجزم أنه هو السبب الوحيد في مأساة الرضيع , وتزداد فاجعة الأم في ابنائها الثلاثة , فهناك رضيع يصارع الموت , وكبار يقتتلان يريد كل منهما هزيمة الآخر , تصرخ الأم وتصرخ ..لم يعد يشغلها من هو السبب في تلك المأساة , تريد فقط ألا تخسر ابنائها جميعا ..تناشدهم التوقف عن الحراب , والإنصراف لمحاولة إنقاذ الرضيع من براثن الموت , فهل يستجيب لها الأخوان ??? وأنا أيضا كتلك الأم ..لم يعد يشغلني من هو السبب في ذلك الاستقطاب الحاد , وتلك الحرب الضروس ..والتي حتما سيخسر فيها الجميع , فلا أحد منتصر فيها , بل الجميع منهزمون , وأثق في أن ما يحدث الآن ليس سببه الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس , بل هذا المرض العضال الذي أصابنا منذ انتهاء ثورتنا , والتي كانت كشأن أي مولود ..تحتاج لعناية خاصة ومكثفة , تحتاج أن نتنازل عن بعض حقوقنا من أجلها ..وللأسف لم يتنازل أحد ...الشك والحيرة والتخبط هما سادة الموقف الآن ..فقط ما أتيقن منه ..وعلمتنيه تلك الفتنة الضارية ..هي بعض أمور ..أراها كالتالي : 1- اثبتت الأيام صحة من كانوا يرون بضرورة فصل الجانب الدعوي عن الجانب الحزبي في جماعة الإخوان المسلمين , وأنه كان من الأفضل أن تظل جماعة الإخوان صاحبة التاريخ المشرف والرائع والعظيم ..تلك الجماعة الربانية المخلصة ..مدرسة لإصلاح المجتمع من خلال توجيهه وإرشاده وتهذيب كل مجالات العمل السياسي فيه لتسير على أسس منهاج شريعتنا الغراء ..لا تقتحم العمل الحزبي ..بل تسعى الأحزاب جميعها لخطب ودها والحصول على رضاها ..تلك القوة الضاربة في المجتمع .. والتي كان يحمل الجميع لها كل مشاعر الود والإحترام ..المخالف معها قبل المتفق. 2- كان الجميع ينتظر من الرئيس محمد مرسي دواء لذلك الفيروس الذي كان يهدد جسد الأمة المصرية ..وهو فساد ذلك الجهاز القضائي الذي كان أحد أعمدة نظام مبارك السياسي ..وكان أحد أدواته في تمرير ذلك الفساد المستشري ..فلا يستطيع عاقل أن يدعي أن جسد الدولة الذي كان يعج بالأمراض المستعصية ..قد سلمت أحد أعضائه وظلت مبرأة من كل تلك الأمراض التي نهشت الجسد طوال ثلاثين عاما .. خاصة إذا كان هذا العضو هو الرئتين و التي مهمته : هي تنقية الهواء المتسرب لداخل هذا الجسد ..ومع تلوث الهواء بالكامل .. امتلأت الرئتين بكل هذه الملوثات ..فلم تعد تقوى على طرد تلك السموم التي امتلأت بها عن آخرها ... لذا فقد قرر الرئيس إعطاء الدواء الشافي لهذا العضو المريض ...فكان ذلك هو الإعلان الدستوري , ولكن مع الأسف كانت الجرعة كبيرة ..ولم تعطى بالطريقة المدونة في نشرة الدواء ..وكان الجسد في غاية الإعياء والإنهاك , فلم يحتمل تلك الجرعة , وتداعى المرض أكثر وأكثر..وانتهز في ذلك الوقت كل الكارهين والحاقدين على هذا الطبيب ..ساعين لإثبات فشله وخطأه في العلاج ..فازدادت الأعراض الجانبية سوء .. ولم يعد يدري أحد ما الحل في تلك المعضلة ..?? هل هو الإصرار على الدواء ..والانتظار ريثما يكون الوقت هو الأمل الوحيد للتعافي ..? أم هو التراجع والتنازل لهؤلاء المعارضين للدواء ومعهم كل الحاقدين والمتربصين والفاسدين ..و الإعتراف لهم بفشله في تحقيق الشفاء ..إذا كانت غايتنا الوحيدة هو أن يتعافى جسد مريضنا الغالي ..?? أم أنه هناك علاج آخر يجب علينا تقديمه لذلك المريض المتعب قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ?? لست أدري ... فقط ما أعلمه هو أنه يجب أن نعيد حساباتنا بكاملها ..وتغيير كل منظومتنا الفكرية ..ريثما نتفق على علاج ناجع وفعال لكل تلك الأمراض التي لحقت بنا .. علينا أولا أن نزيل الصدأ من داخل القفل قبل أن نضع المفتاح الصحيح فيه . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]