مصر تخسر وتنزف ولا أحد فيها كسبان لم يكسب الرئيس ولن تكسب المعارضة ولن يكسب باقى الشعب الحائر بين الاثنين، ماذا يفيدنا لو انتصرت المعارضة وخسر الوطن؟ وماذا سنكسب لو فاز الرئيس والإخوان وضاع الوطن؟ الكل مسئول بداية من الرئيس الذى أخذ القرار وحتى المعارضة التى ثارت عليه، واضح ألا أحدًا يفكر فى البلد ومستقبله بقدر ما يفكر فى الكرسى أو فى الجماعة التى ينتمى إليها. والسؤال الأول الذى تفرضه الظروف الحادثة الآن فى مصر هل الرئيس مرسى ديكتاتور وطاغية يريد أن ينفرد بحكم مصر؟ الإجابة بالطبع لا وهذه الإجابة لسببين السبب الأول أنه رغم الإعلان الدستورى العجيب فأنا أظن أن الرجل حسن النية ولم يخطر بفكره مطلقاً الانفراد بالحكم، لسبب مهم جدًا وهو أن الشعب المصرى لن يسمح له ولا لغيره بالانفراد بالحكم مهما هدد النائب العام الجديد بالسجن والإعدام لمن يناهض مرسى وجماعته (لو صح هذا التصريح المنسوب له) وبالمناسبة هو أسوأ تصريح لأى نائب عام فى العالم، فالنائب العام هو نائب عن الشعب وليس عن الرئيس والنظام، لكن ليست هذه قضيتنا الآن. والسؤال الثانى هل المعتصمون فى التحرير ورافضو تحصين قرارات الرئيس مِن الفلول؟ وهذه أيضا فرية كبيرة لأن أغلبهم من الوطنيين ومن مُفجرى الثورة مهما كان الاختلاف السياسى والفكرى معهم؛ لأن بعض هؤلاء المعترضين سبق مرسى وجماعته فى الانحياز إلى ثورة 25 يناير، وبالتالى لا يصح أن نقول عليهم الآن إنهم فلول لأنهم رفضوا قرار التحصين الذى يجب أن يرفضه الجميع طالما صدر بهذا الشكل العدائى الساذج، كما أن لفظ فلول من كثرة استخدامه بدأ يفقد معناه وأهميته، ولا يمثل إزعاجًا للكثيرين. دعونا نتفق أن الإعلان الدستورى المكمل كان أحد الحلول غير الموفقة لإنقاذ اللجنة التأسيسية من قرار متوقع بالحل يوم اثنين ديسمبر القادم، وهذا القرار ليس حبًا فى اللجنة ذاتها فهى مليئة بالعوار، وأرى أن سبب الإعلان الدستورى العجيب هو قصور ناتج عن ثقة الرئيس فى دائرة شديدة الضيق ومحدودة الموهبة والخيال من أركان جماعة الإخوان المسلمين، هى التى تؤثر على قرارات الرئيس وتنصحه وتشير عليه بدون أى خلفية سياسية معتبرة ومعظم خلفياتهم السياسية إما خلفيات نظرية أو خلفيات حشد ونقل الآلاف للهتاف أو التصويت أو تقديم استجوابات فى مجلس الشعب وهى خبرات تختلف تمامًا عن خبرات إدارة الدولة وطرق اتخاذ القرار، على الجانب الآخر هناك تجاهل تام لمستشاريه ومساعديه الذين اختارهم بنفسه، وهو ما يثبت أن الأمر كان وسيظل مجرد ديكور وأن أهل الحل والعقد عند مرسى موجودون فى المقطم. إن قرارات التحصين هى التى خلقت كل هذه المشاكل فى الشارع المصرى فلماذا خرجت بهذا الشكل الساذج؟ ولماذا لم يستعن بمستشاريه لإخراجه بشكل يتماشى مع ما يحدث فى مصر حاليًا من حساسية مفرطة لأى محاولة للقمع؟ وقد أكون أكثر وضوحًا عندما أقول إن المصريين أصبح لديهم حساسية حتى من محاولة التنظيم وتطبيق القانون، وأنا شخصيًا أرى أن دستورًا عليه اتفاق بنسبة 60 % أفضل ألف مرة من انتظار حكم حل اللجنة التأسيسية ودخولنا فى نفق مظلم، لأن الرئيس لو أعاد تشكيل الجمعية التأسيسية مرة أخرى سيقولون إنه جامل الإخوان والتيار الإسلامى فى التشكيل، وبالمناسبة السوابق الماضية للرجل تجعله يفعلها وينحاز إلى أهله وعشيرته على حساب باقى الشركاء فى الوطن، ولو طرح الأمر لاستفتاء أو انتخابات عن الشخصيات التى ستكتب الدستور لاكتسحه الإخوان والإسلاميون بلا مبالغة، وأعاد المعارضون نفس الملاحظات من أن الدستور لا تكتبه الأغلبية بل بالتوافق، ودخلنا فى نفس الدوامة إذن كان الاحتفاظ بهذا الوضع الخاطئ أفضل من البحث عن لجنة تأسيسية مثالية لن تتحقق أبدًا فى زمن الفرقة والتخوين. إذن هدف الرجل يبدو معقولاً لكن طريقة إخراجه غشيمة ومستفزة، والسؤال ما الحل هل يتراجع الرئيس عن قراره؟ أقول وما العيب فعلها السادات فى عام 1977 ليحمى البلد من الانفلات ولا أعتقد أن الرئيس مرسى أكثر خبرة أو حنكة من السادات، التراجع أو تعديل القرار ليس هزيمة بل طريقة من طرق أهل الحكم لترتيب البيت من الداخل بشكل أكثر أمانا، على الرئيس أن يستجيب لصوت العقل وعليه أن يستعين بآراء مستشاريه وحتى أصدقائه، فعدو عاقل وفاهم فى الدستور وطرق الحكم أفضل ألف مرة من صديق جاهل، ولا أعتقد أن مستشاري مرسى من الأعداء.