بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير كثرت تصريحات المسئولين المصريين فى الإعلام المسموع والمقروء والمرئى بأن معاهدة كامب ديفيد ليست مقدسة، وأنها قابلة للنقاش والتعديل والتغيير، فثارت ثائرة الصهاينة، ولجأت خارجيتهم إلى آية قرآنية للرد على ذلك، حيث علقت الوزارة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى ((الفيس بوك)) على تلكم التصريحات بنشرها الآية القرآنية الكريمة: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 1)، وكأن الصهاينة يحاولون تذكيرنا بما أوصانا الله به وحثنا عليه من وجوب الوفاء بالعقود والالتزام بالعهود، ونحن لم ولن ننسى أبدًا أن الوفاء بالعهود من مبادئ ديننا، ومن كريم أخلاقنا. الطبيعة اليهودية: ونحن دائمًا وأبدًا وعلى مدار التاريخ كله لم نعرف لليهود عهدًا، ولم يحترموا كلمة أو قرارًا، ودائمًا يكيلون الأمور بمكيالين، ولا يعرفون إلا مصلحتهم وإن أفنوا فى سبيلها العالم كله، هكذا علمنا التاريخ، فهل نستفيد من دروس التاريخ؟ وهكذا أخبرنا القرآن الكريم: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)) (سورة المائدة، من الآية رقم 82). وقال تعالى: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِه)) (سورة المائدة، من الآية رقم 13)، فنقض المواثيق والعهود عندهم أسهل من شرب الماء واستنشاق الهواء، هؤلاء هم اليهود، وهذه هى الطبيعة اليهودية وإن تجمَّلوا وجاملوا ونافقوا وداهنوا وخدعوا العالم كله، فلا ينبغى لنا – نحن المسلمين - أن ننخدع بهم ولا بمزاعمهم ولا بكذبهم؛ لأن الذى أخبرنا بطبيعتهم هو خالقهم وأعلم بهم: ((أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (سورة الملك، الآية رقم 14). أول مَن نقض العهد: كيف يريد الصهاينة منا أن نحفظ ما بيننا وبينهم من عهود ومواثيق وهم أول مَن نقض العهد والميثاق معنا، فاعتدوا على جنودنا وحدودنا، وقتلوا أبناءنا فى مصر وغزة؟ هل يطلبون منا ذلك لأنهم اعتادوا على الاعتداء وانتهاك الحرمات وسفك الدماء دون أن يعترض أحد على أفعالهم أو سياساتهم، واعتادوا على أن يقف الطرف المعتدَى عليه موقفًا سلبيًّا دون أن يحرك ساكنًا؟ هل يعتقدون أن هذا الوضع ما زال مستمرًّا فى مصر وغيرها من دول الربيع العربي؟ هذا الوضع ليس مستمرًّا، لأن الأوضاع بعد الثورة تغيرت، والمواقف تبدلت، والشعب المصرى أصبح صاحب القرار، ولن يرضى لنفسه الذل والعار، ويجب على الصهاينة أن يدركوا ويفهموا أن مصر الجديدة ليست كسابقتها، وأن يفكروا ألف مرة قبل الإقدام على أى تصرف يثير غضب المصريين، فإن فعلوا ذلك فليتحملوا وزر أفعالهم، وسوء تصرفاتهم، وسيئ تفكيرهم. ماذا يقول التاريخ؟ وما حدث يذكرنا بموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود وما كان بينه وبينهم من عهد وميثاق، وظل رسولنا الكريم ملتزمًا بالعهد ومحافظًا عليه إلى أن كان يهود بنى قينقاع هم أول مَن نقض العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخرجهم من المدينة، وكذلك الحال مع يهود بنى النضير، حيث حملتهم طبيعة الغدر واللؤم المتأصلة فيهم على نقض عهدهم مع الرسول الكريم وتآمروا على قتله، فأخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا من المدينة مجردين من السلاح، وكذلك يهود بنى قريظة الذين غدروا بالمسلمين، فنقضوا العهد معهم وتحالفوا مع الأحزاب فى غزوة الخندق، وأوقعوا المسلمين فى ضيق وحرج شديدين، فحاصرهم الرسول الكريم إلى أن استسلموا، وتخلص الرسول صلى الله عليه وسلم من شرهم وغدرهم ولؤمهم. هذا هو التاريخ الذى يعطينا الدروس التى يجب أن نستفيد منها لنوفر على أنفسنا الوقت والجهد فى التعامل مع هذه النفسية ذات الأطوار الغريبة والعجيبة فى آنٍ معًا، فهل نفهم ونعى وندرك ونستوعب مَن هم اليهود، وما هى نفسيتهم وأخلاقهم؟! هل المعاهدات مقدسة: لنا أن نتخيل لو أن الصهاينة هم الذين رأوا أن تغيير بعض البنود فى معاهدة كامب ديفيد يصب فى مصلحتها ويحقق لها أهدافها! أنا أتصور أنها هذه المرة كانت ستستشهد بالآية القرآنية: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 2)، ولن يروا أبدًا الآية القرآنية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ)) (سورة المائدة، من الآية رقم 1) التى ردت بها على تصريحات المسئولين المصريين، أضف إلى ذلك أنه كان من المتوقع حينئذٍ أن نوافق على طلبهم ونرضخ لرغباتهم؛ لأننا لا نملك حق الرفض أو الاعتراض، وساعتها كنا سنخترع المبررات والأعذار التى تحفظ ماء وجوهنا وتصون ما تبقى من كرامتنا، ونخدع بها شعوبنا، ولا تُظهرنا بمظهر الخاضع الذليل كما كانت سياسات النظام الذى رحل غير مأسوف عليه. القرار المناسب: أما وإن الوضع الآن مختلف تمامًا، فنحن الذين أعلنّا أكثر من مرة بعد الثورة أن معاهدة كامب ديفيد ليست مقدسة، ولا بد من إعادة النظر فيها وفى العديد من بنودها بما يحقق مصلحة الطرفين الموقِعَيْن عليها، فهل ستتمسك حكومتنا– ويتمسك معها المصريون – بحقنا فى تغيير ما يلزم تغييره من بنود هذه المعاهدة، ونجبر الصهاينة على الجلوس على طاولة المفاوضات لإجراء التعديلات اللازمة؟ أتمنى أن يحدث هذا، وأن نتمسك بحقنا فى مراجعة المعاهدة، خاصة أن من بين بنودها ما يسمح للطرفين بإعادة النظر فيها بما يتواكب مع تطورات الأمور ويحقق مصلحة الطرفين، كما أن اتفاقية فيينا للمعاهدات سنة 1996 م تنظم إجراءات إبرام المعاهدات الدولية، وكذلك إجراءات فسخها كما هو معروف فى القانون الدولي، ومصلحتنا – نحن المصريين - فى مراجعتها وتصحيح العديد من بنودها لتعود إلينا حقوقنا، ونسترد كرامتنا وسيادتنا على كامل أرض سيناء الحبيبة التى يجب أن تحظى اليوم باهتمام أكثر من حكومتنا الرشيدة، وذلك بتنميتها لتظل دائمًا وأبدًا خط الدفاع الأول عن بلدنا الحبيب مصر، كما أن هذه التنمية تقطع على المتربصين بها - وما أكثرهم - أطماعهم وتغلق الطريق فى وجوههم، سواء كانوا من الصهاينة أو من غيرهم. د/ محمد على دبور [email protected]